مصطفى زين

«مثل رومانسيي القرن التاسع عشر وقع مرشحو الرئاسة الفرنسية في حب المغامرة في الشرق» (لوموند) خصوصاً في بلد الأرز. 

لكن «رواد الشرق» الحاليين، ليس لديهم الهم الأدبي الذي كان لأسلافهم، مثل فولناي ولامارتين الذي سمي واد في جبل لبنان باسمه، فهم يعتقدون أنهم يتجولون في محمية من محمياتهم، ولديهم علاقات مع «مكونات» لم تنقطع منذ ذلك التاريخ، عندما كانت هذه «المكونات» تعتمد على باريس لحمايتها من استبداد الدولة العثمانية، وكان القناصل الغربيون يفرضون شروطهم على الباب العالي، مثلما فرضوا، ويفرضون، شروطهم على الجمهورية المستقلة جداً التي لا تستطيع انتخاب رئيس إلا برضى الإليزيه.

قبل مارين لوبن زار المرشح للرئاسة الفرنسية إمانويل ماكرون بيروت والتقى جميع المسؤولين وأرسل رسائل إلى ناخبيه، أهم ما فيها أنه سيتصدى للإرهاب القادم من الشرق، وهذا هو الموضوع الأثير لدى جميع المرشحين، يستخدمونه لإخافة الفرنسيين من سياسات فرانسوا هولاند التي عززت الإرهاب و «دعمته» للتخلص من الديكتاتوريات في الشرق الأوسط. وأكد ماكرون أنه يقف في الوسط بين منافسيه، مارين لوبن وفرانسوا فيون (ألغى زيارته بعدما لاحقته الفضائح)، فهو ليس متحمساً مثلهما للحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد، وليس ضد الحوار معه لمحاربة الإرهاب.

لمارين لوبن قصة أخرى مع لبنان، فقد انخرطت «الجبهة الوطنية» التي تتزعمها حالياً في الحرب الأهلية اللبنانية، إلى جانب اليمين المتمثل بحزب الكتائب و «القوات اللبنانية» والفصائل اليمينية الأخرى، سياسياً وعسكرياً «دفاعاً عن القيم الغربية في مواجهة الإرهاب الثوري الإسلامي»، على ما كان يقول مستشارها وعضو حملتها الانتخابية حالياً ثيبو دو توكاني، الذي شارك في معارك الشوف ضد الدروز عام 1983. 

والآن لم يعد مصير المسيحيين اللبنانيين وحدهم مطروحاً، بل تعدّاهم إلى مسيحيي المشرق كله، خصوصاً في سورية والعراق، وترى «الجبهة الوطنية» أن «الانخراط في سياسات المنطقة»، وزعيمتها في موقع الرئاسة، يضع حداً لسياسة هولاند وقبله ساركوزي اللذين «فشلا في حماية المسيحيين». 

لكن لم يكن أمامها، وهي التي جددت فكر «الجبهة»، بعدما أزاحت والدها من الزعامة، إلا أن تطلق تصريحات مهادنة للمسلمين في بيروت، وأن تسعى لنزع صورة الشيطان عن نفسها وحزبها بزيارة كل المسؤولين اللبنانيين من رئيس الجمهورية إلى رئيسي الوزراء والبرلمان. ولمزيد من إضفاء صفة الاعتدال على نفسها كان لا بد لها من زيارة المفتي فاستجيبت رغبتها، لكنها اصطدمت بأن طلب منها تغطية شعرها بـ «خمار» خلال اللقاء فرفضت بشدة، إذ سبق لها أن التقت شيخ الأزهر في القاهرة وهي سافرة. 

لكن حجتها هذه لم تفد في شيء لأن «البروتوكول» (بتعبير الناطق باسم المفتي) وليس الدين الإسلامي يفرض ذلك.
لا مواقف لوبن العنصرية، ولا عداؤها لكل ما هو عربي أو إسلامي، ولا مشاركة حزبها في الحرب الأهلية، ولا مطالبتها بطرد المغاربة والجزائريين من فرنسا، شكلت حجة لعدم استقبالها في دار الإفتاء في بيروت، فـ «الخمار» أهم من كل ذلك، وليكن تحته ما يكون من فكر متخلف.

عادت لوبن من بيروت منتصرة فقد استقبلها كل المسؤولين. «انتصرت» في معركتها ضد دار الإفتاء. معركة ستوظفها في حملتها الانتخابية. فالخوف من المسلمين يتصاعد في فرنسا، وفي عموم القارة الأوروبية، خصوصاً بعد الهجمات الإرهابية التي طاولت القارة القديمة، وبعد تحول الأحزاب اليسارية إلى دمى مهترئة تحاول تجديد نفسها بالتوجه إلى اليمين.

بين الرومانسيين الأوروبيين في القرون الماضية وسياسيي هذه الأيام قاسم مشترك هو توهم شرق لم يكن ولن يكون موجوداً. والحروب المستمرة من شارلمان إلى لوبن لن يغطيها «خمار» أو ستار حديد.