حسين شبكشي

 مسلسل «شيطنة» رجال الأعمال في العالم العربي يبدو أنه مستمر وبلا هوادة. من الواضح أن «المساحة» تزداد للنيل منهم بشكل غير بريء وذلك فيما يعتقد أنه «امتصاص للسخط والغضب الشعبي» وتحويله بكل مهارة واقتدار صوب قطاع الأعمال. فالتصريحات الرسمية تتواصل باتهام «التجار» باستغلال حاجة الشعب وممارسة «الجشع والطمع» في تسعير السلع والخدمات بمختلف أشكالها وأنواعها. هذه النوعية من التصريحات تعتبر بمثابة «توجيهات إلى الشعب» بإطلاق الاتهامات الواحدة تلو الأخرى وكأنه موسم مفتوح للصيد.


هذه النوعية من المواقف، وإن حققت بعض المكاسب الشعبية المؤقتة، فإنها تحدث ضرراً مهولا وخصوصاً في ظل دول في المنطقة العربية تسعى بكل ما أوتيت من قوة لجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال العالمية للدخول إلى أسواقها، وليس هناك أبلغ من تعليق سمعته من مصرفي غربي كبير من أصول عربية وهو يقول: «كيف تعتقد الحكومات العربية أنها ستقدر على جذب الاستثمارات من الشركات العالمية وهي لا تقدر ولا تحمي سمعة شركاتها الوطنية وتهاجمها وتسمح بالهجوم عليها»؟ سؤال في غاية الأهمية وينطلق من قاعدة أخلاقية قديمة وبسيطة ولكنها منطقية جداً، وهي: من لم يكن فيه خير لأهله فلا خير فيه لغيرهم. إذا تم التضييق على رجال الأعمال في بلادهم بتشويه سمعتهم وتحميلهم ما لا طاقة لهم به بحجة أنهم «استفادوا في السابق فلا بأس أن يتحملوا اليوم»، فهذا فيه الكثير من الظلم وفيه نوع واضح من الإذعان والأمر الواقع. القاعدة تقول: عش ودع غيرك يعش، ولا بد أن يكون الخير والاستفادة كافياً لكافة الأطراف دون كسر أو تحطيم لأحد منهم.
القطاع الخاص هو شريك أصيل في أي اقتصاد اليوم، بل هو المحرك الذي يحفز الكثير من قصص النجاحات ويلهم الشباب للإبداع والتألق، وفي الاقتصادات الكبرى تشكل الشركات الخاصة 80 في المائة من الاقتصاد الكلي، هذا هو الواقع الذي يجب الانتباه إليه. أما المبالغة في «شيطنة» القطاع الخاص فسندفع كمجتمعات ثمن ذلك عندما نرى الشركات تغلق أبوابها ورؤوس الأموال تهاجر تاركة أوطانها، كيف لا وهم يتحملون وزر كل ما هو سلبي، فرجال الأعمال بالتدريج أصبحوا هم سبب تفشي البطالة وارتفاع معدلاتها، وهم سبب ارتفاع الأسعار وانتشار السلع المقلدة والمغشوشة، وهم خلف ظواهر التضخم في الاقتصاد، وبالتالي تعالت شعارات الحرب على التجار.
إضفاء صفة التخوين على رجال الأعمال فكرة خطيرة ومدمرة لم تقم بها من قبل سوى الأنظمة الاشتراكية والشيوعية والانقلابية التي روجت شعارات شمولية لتكريس أفكار مدمرة وحقودة في نفوس الشعوب لتسهيل مهمة السيطرة عليهم، ولكنهم دفعوا ثمن ذلك بشكل مرير، وتحطمت العديد من الشركات والمصانع بعد أن أفلست وتم الاستيلاء عليها بشتى الوسائل غير المشروعة، وخسرت تلك الدول رجالا من الشرفاء ندر وجودهم مجدداً.
موجة «شيطنة رجال الأعمال» مستمرة بشكل هستيري ويجد له مطبلية بلا وعي، تماماً مثلما رفعت شعارات فارغة في السابق سارع القطيع بالسير خلفها ودفع الأثمان، يحصل الشيء نفسه اليوم وسيكون الندم على ذلك مكلفاً.. . .