سمير عطا الله

 أصدر دونالد ترمب أمراً رئاسياً جديداً يمنع بموجبه مراسلي «سي إن إن» و«الغارديان» و«نيويورك تايمز» من حضور المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض. أهم ثلاث وسائل إعلامية في الغرب. ولا حاجة إلى الإشارة إلى أنه قرار غير مسبوق في التاريخ، على الأقل تاريخ البيت الأبيض.


يعيد القرار إلى الذاكرة صور المؤتمرات الصحافية في البيت الأبيض منذ أيام جون كيندي، وكيف تودد الرئيس إلى الصحافيين المعتمدين، مخاطباً إياهم بالأسماء الأولى باعتبارهم جزءاً من الأسرة.
عايشت هيلين توماس تسعة رؤساء تطرح عليهم الأسئلة التي تريد. واحد من تلك الأسئلة طرحته على بوش الأصغر: «إلى متى سوف يستمر خضوع الفلسطينيين لهذا الاحتلال الوحشي في رأيك؟». وبقيت تحتل مقعدها في الصف الأول بين المراسلين. ولم تضطر إلى مغادرته إلا في عامها التاسع والثمانين، عندما أرغمت على الاستقالة بعدما قالت لحاخام أميركي: «متى ستتركون أرض فلسطين وتعودون إلى ألمانيا وبولندا؟».
تسع إدارات أميركية مؤيدة لإسرائيل في المطلق، اضطرت إلى تحمل آراء ومواقف وأسئلة الصحافية الجريئة اللبنانية الأصل. فحريّة الرأي هي البند الأول في الدستور الأميركي، وهذه هي المادة التي يخالفها الرئيس الجديد، معلناً أن «الصحافة عدو الشعب»، لأنه لم يجد صيغة واحدة تؤيد حملته أو رئاسته فيما بعد.
قامت الرئاسة الأميركية حسب أقوال الرؤساء المأثورة، محل قدسية الدفاع عن الرأي الآخر. ومنذ 50 عاماً أصبحت «المناظرة» بين المرشحين هي التي تقرر أحقية الفوز. وكذلك، هي الحملة الانتخابية الطويلة، والتي يمكن للمرشح خلالها، أن يقول ما يشاء، بما في ذلك التحدث عن حجم أصابعه، كما فعل ترمب.
ليس بالضرورة إطلاقاً أن تكون الصحافة على حق في موقفها. لكن الدستور يمنحها الحق في اتخاذ الموقف الذي تراه. وفي بعض العهود كان بعض الصحافيين، مثل والتر ليبمان المستشار الأساسي للرئيس، يطّلع منه على نبض الأمة وموضوعية الحقائق.


ربما يكون ترمب أول سياسي، وليس أول رئيس، يقرر مقاطعة الإعلام. السياسيون عادة يمارسون العكس. وروت «التايم» مرة أن وزير الدفاع الهندي كريشنا مينون، سقط في رواق الأمم المتحدة مغشياً عليه، فهرع المسعفون والأطباء، وبعد قليل أفاق، فرفع رأسه قائلا: «هل مراسل الأسوشييتدبرس هنا؟». لقد اختار ترمب العدو الخطأ. وهذه عادة من أعمال بعض الرؤساء العرب الذين غابوا ولا يزال الثأر الصحافي منهم قائماً. وكان الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم، يتودد إلى ضيوفه من الصحافيين، فيدعو الوفود إلى دارته بعد منتصف الليل، ويسمعهم نصوص خطبه في الجماهير مؤكداً أنها كلها ارتجالية. كلِّش..