خليل علي حيدر

تساءل الكثيرون بحسرة في ذكراه السادسة.. لِمَ أخفق «ربيعنا العربي»؟ ولماذا تحولت الذكرى مرة أخرى، إلى منصة خطابية في أكثر من مكان للنيل منه، ومهاجمة من رحب بقدومه وفتح الأبواب لنسماته؟

البعض كتب قبل عام عن نفس الذكرى يصف الأحوال: «هناك حالة إحباط مشوبة بالمرارة تلف المنطقة وتعيش في نفوس أبنائها، وشعور بأن مصائر كيانات ودول وجماعات باتت بلا وجهة وبلا أفق». [الحياة 11-9-2016].

وفي تجدد الذكرى هذا العام قبل أسابيع كتب محمد شومان: «مرت ست سنوات على الانتفاضات التي اجتاحت خمس دول عربية وفشلت كلها، بدرجات مختلفة، في تحقيق الشعارات والأهداف التي رفعتها الجماهير، وانتهى ما اشتهر إعلامياً بالربيع العربي إلى العمل من أجل إنقاذ كيان الدولة ومحاربة الإرهاب وانتشال الاقتصاد».

لا أعلم ما حال الناشطة السياسية المصرية «إسراء عبدالفتاح» صاحبة الدور المعروف في إشعال شرارة الثورة في شوارع مصر، حتى أن البعض رشحها يومذاك للفوز بجائزة نوبل للسلام، ولكنها كانت العام الماضي تعاني من التجاهل، بل وتتلقى الإهانات من بعض المصريين في الشوارع، ونقلت الصحف عن لسانها «في ناس بتقول عليّ خاينة وعميلة»، بعد أن كانت تجسد في نظر الكثيرين أملاً لمصر جديدة خالية من الفساد، أما اليوم أضاف تقرير القبس في 26 يناير 2016 «فتعيش هذه الصحافية البالغة من العمر 39 عاماً وحيدة في شقتها الصغيرة، وتأمل أن ينهض المصريون من جديد للمطالبة بالديمقراطية»، وفي العام الحالي كتب الصحافي طارق أبو العينين: «المحزن أننا إذا تأملنا جيداً الأوضاع في مصر بعد مرور ستة أعوام على اندلاع ثورة يناير 2011، سنجد أنها تحولت من ثورة مكتملة من حيث زخمها الجماهيري وقدرتها الكامنة.. إلى مجرد تمرد محدود، بل محدود جداً».. ولكن هل يعقل أن ثورة بحجم أحداث 2011، لم يبق منها شيء كما يسخر من نتائجها الشامتون؟

كلا يقول الكاتب شومان في الحياة 8-2-2017، بل بقيت أشياء «ولعل أهم ما تبقى يتمثل في أربع ظواهر: الأولى تأكيد قدرة الشعوب على إسقاط النظم الاستبدادية الفاسدة، الثانية بقاء عديد من المكاسب الخاصة بالحريات، بخاصة حرية الصحافة والإعلام واحترام حقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات، الثالثة جسدت مواد الدستور في تونس ومصر وبعض التشريعات والقوانين قيم وروح الربيع العربي، وكانت عملية صياغة الدستور في البلدين أكثر تشاركية من التجارب السابقة، وستظل لدى الشعوب نصوص دستورية ملزمة للحكومات».

كان الإسلام السياسي كما يقول سالم القرنشاوي: «العنصر الأساسي في تضييع فرص التحول الديمقراطي في مصر، افترض أتباع حسن البنا أن البلد خالصة لهم وحدهم»، وكانت مأساة سوريا مع الإسلام السياسي، يضيف أكبر: "وبدلاً من أن تلتزم المعارضة صيغة وطنية جامعة انزلق الإسلاميون فيها إلى طائفية بغيضة بخاصة ضد العلويين والشيعة، وكانت تلك الهدية المثلى للنظام الذي لم يخفف عن إيغاله في الدماء"» [الحياة 29-1-2017].

غرقت ليبيا وسوريا في حروب أهلية شرسة مدمرة، ونجت مصر وتونس، ويقول المحللون إن تونس قد تعد قصة نجاح إذا نظرنا إلى نجاح الانتخابات وإنجاز الدستور، فيما يعدها البعض الآخر ديمقراطية هشة حيث اغتيلت شخصيات يسارية، وتعرض رجال الأمن والسياح لأعمال إرهابية، وقامت الحكومة ببعض الاعتقالات العشوائية، وتزايدت المخاوف على حرية التعبير، ويشير آخرون إلى أن الأوضاع الاقتصادية في مصر لم تكن سيئة عشية الثورة، وكان إجمالي الناتج المحلي ينمو بسبعة في المائة سنوياً فيما تجاوز حجم الاحتياطي العام من النقد الأجنبي 35 مليار دولار، وكان سعر الجنيه مستقراً والسياحة في أوج انتعاشها.

خصوم «الربيع العربي» يشيرون خاصة إلى فشل العالم العربي في مكافحة الفساد، ويستشهد الكاتب اللبناني كرم الحلو بتقرير منظمة الشفافية الدولية عن الفساد في العالم، حيث «قالت المنظمة الأربعاء 25 يناير 2017 إن أغلب الدول العربية تراجعت في مجال مكافحة الفساد في 2016 على رغم مرور 6 سنوات على اندلاع ثورات الربيع العربي في تحقيق نتائج تعكس إرادة الشعوب في بناء أنظمة ديمقراطية تعطي مساحة للمساءلة والمحاسبة وأن 90 في المائة من هذه الدول فشلت في التصدي للفساد الواسع الذي كان من أسباب اندلاع ثورات «الربيع العربي»، وجاء في تقرير المنظمة أن 6 من بين أكثر عشر دول فساداً في العالم هي عربية: سوريا والعراق والصومال والسودان واليمن وليبيا، فيما تعاني دول عربية كتونس ومصر والجزائر والأردن ولبنان من ارتفاع معدلات الفساد، حيث جاءت درجتها في التقرير: تونس 75، مصر والجزائر 108، الأردن 57، لبنان 136، بينما هي في إسرائيل 33».