فاتح عبد السلام

عملياً‭ ‬وفعلياً‭ ‬،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭ ‬والأشخاص‭ ‬والمواقف‭ ‬،‭ ‬فقد‭ ‬خضع‭ ‬العراق‭ ‬لحالة‭ ‬الحرب‭ ‬بصورة‭ ‬متصلة‭ ‬دامت‭ ‬سبعاً‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬،‭ ‬ابتدأت‭ ‬بالحرب‭ ‬العراقية‭ ‬الايرانية‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬وحتى‭ ‬اللحظة‭ ‬،‭ ‬وبأفق‭ ‬مفتوح‭ ‬لاحد‭ ‬له‭ ‬،‭ ‬و‭ ‬لم‭ ‬يحصل‭ ‬هذا‭ ‬لأي‭ ‬بلد‭ ‬بالعالم‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ .‬

الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬كانت‭ ‬مدتها‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬وانتهت‭ ‬عام‭ ‬1918‭ ‬والحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬كانت‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬وانتهت‭ ‬1945‭ ‬،‭ ‬وحرب‭ ‬فيتنام‭ ‬دامت‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭ ‬وانتهت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1975‭ ‬،‭ ‬والحرب‭ ‬الهندو‭ ‬صينية‭ ‬استمرت‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬وخمدت‭ ‬سنة‭ ‬1954‭ ‬،‭ ‬والحروب‭ ‬الهندية‭ ‬الباكستانية‭ ‬مجتمعة‭ ‬لم‭ ‬تدم‭ ‬سوى‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬خمس‭ ‬سنوات،‭ ‬وحرب‭ ‬الفوكلاند‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬والارجنتين‭ ‬استغرقت‭ ‬شهرين‭ ‬وثمانية‭ ‬عشر‭ ‬يوماً‭ ‬وانتهت‭ ‬في‭ ‬حزيران‭ ‬1982،‭ ‬وحرب‭ ‬تركيا‭ ‬واليونان‭ ‬بسبب‭ ‬قبرص‭ ‬دامت‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭ ‬وانتهت‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬،

وحروب‭ ‬اليمن‭ ‬الست‭ ‬وحربها‭ ‬الاخيرة‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬السبع‭ ‬سنين‭ ‬،‭ ‬وحرب‭ ‬سوريا‭ ‬الحالية‭ ‬قضت‭ ‬ست‭ ‬سنوات‭ ‬ومهما‭ ‬ساءت‭ ‬الاوضاع‭ ‬لايعقل‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬مقبلة،‭ ‬وحتى‭ ‬حروب‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬فلسطين‭ ‬والمقدسات‭ ‬والقدس‭ ‬كانت‭ ‬بضع‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الاربعينات‭ ‬وستة‭ ‬أيام‭ ‬سنة1967‭ ‬واياما‭ ‬معدودة‭ ‬سنة‭ ‬1973‭ ‬وبعدها

‭ ‬لم‭ ‬تحدث‭ ‬حروب‭ ‬كبيرة‭ ‬باستثناء‭ ‬حرب‭ ‬بيروت‭ ‬1982‭ ‬وحرب‭ ‬2006‭ ‬وسواها‭ ‬القليل‭ ‬والقصير‭.‬

‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬تعايشت‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬علناً‭ ‬أو‭ ‬سراً‭ ‬،‭ ‬وتطبعت‭ ‬العلاقات‭ ‬وقامت‭ ‬اتفاقيات‭ ‬سلام‭ ‬دائم‭ ‬بين‭ ‬الاردن‭ ‬ومصر‭ ‬وبين‭ ‬اسرائيل‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬خارج‭ ‬الحسابات‭ ‬والمتداول‭ ‬فوق‭ ‬الطاولات‭ ‬وتحتها‭ ‬لشتى‭ ‬الاسباب‭ .‬

كلها‭ ‬كانت‭ ‬حروباً‭ ‬ثنائية‭ ‬تقريباً‭ ‬باستثناء‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬،‭ ‬وبعدها‭ ‬عادت‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬للعمل‭ ‬والبناء‭ ‬والتنمية‭ ‬والتعايش‭ ‬،‭ ‬ولم‭ ‬يعان‭ ‬شعب‭ ‬خاض‭ ‬حرباً‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬قرن‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬حصار‭ ‬دولي‭ ‬شامل‭ ‬،‭ ‬إلا‭ ‬شعب‭ ‬العراق‭ . ‬وجرى‭ ‬معاملة‭ ‬شعبه‭ ‬كمعاملة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يحكمه‭ ‬ويقود‭ ‬حروبه‭ ‬،ولا‭ ‬يزال‭ ‬الحال‭ ‬هكذا‭ ‬وبدرجات‭ ‬متفاوتة‭ .‬

‭ ‬متى‭ ‬يشعر‭ ‬العراقيون‭ ‬انهم‭ ‬غادروا‭ ‬أجواء‭ ‬الحروب‭ ‬والحصارات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬الى‭ ‬الأبد‭ ‬،‭ ‬ليتجهوا‭ ‬نحو‭ ‬اهتمامات‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬الابداع‭ ‬والابتكار‭ ‬والرفاهية‭ ‬التي‭ ‬ينعم‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬،‭ ‬حتى‭ ‬الجزء‭ ‬الفقير‭ ‬منه‭ .‬

لكن‭ ‬حقيقة‭ ‬وضع‭ ‬العراق‭ ‬الغارق‭ ‬بالحروب‭ ‬وتداعياتها‭ ‬واجوائها‭ ‬،‭ ‬هي‭ ‬الأجدر‭ ‬في‭ ‬المعاينة‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬تريد‭ ‬خوض‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬على‭ ‬ارض‭ ‬العراق‭ ‬،‭ ‬لأن‭ ‬الشعب‭ ‬مدبوغ‭ ‬جلده‭ ‬بالحروب‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يملك‭ ‬ما‭ ‬يخسره‭ ‬،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬الافضل‭ ‬ان‭ ‬ينزل‭ ‬العالم‭ ‬بثقله‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬احلال‭ ‬السلام‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وافهام‭ ‬كل‭ ‬الاطراف‭ ‬السياسية‭ ‬بالعصا‭ ‬والجزرة‭ ‬ان‭ ‬لا‭ ‬خيار‭ ‬سوى‭ ‬التفاهم‭ ‬والتعايش‭ ‬والسلام‭ ‬،‭ ‬ولترجع‭ ‬كل‭ ‬المسروقات‭ ‬الى‭ ‬أصحابها‭ ‬،‭ ‬أموالاً‭ ‬وأرضاً‭ ‬وثروات‭ ‬،‭ ‬قبل‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭ .‬

رئيس التحرير