تخرج الفتاة الكفيفة منة الله البيطار عن حدود «المألوف» وهي تؤدي تمارين وتدريبات خاصة برياضة الكاراتيه داخل نادي المشتل الرياضي في مدينة غزة.
البيطار (13 عاما) والفاقدة للبصر بشكل كلي، بدلا من أن تستعين بعكاز كما يفعل أي ضرير، كانت تتفادى بمهارة لافتة ضربات قد تباغت وجهها، وتتحاشى أي كدمات تصيب جسدها الغض بفعل حفظها المتقن لكافة الحركات الخاصة بالفنون القتالية. ولم يثنها غياب البصر الذي فقدته منذ ولادتها من القفز في الهواء برشاقة وبدون تعثر، وهي تؤدي باحتراف حركات الدفاع عن النفس. وتقول الطفلة التي بدت في كامل تركيزها الحسي، إنها تشعر بثقة عالية في نفسها جراء لعبـها الـكـــاراتيه. وتضيف: «أريد أن أكــون قوية وأن أدافع عن نفسي». 


ووفرت لها عائلتها كامل الدعم والإمكانات كي تنطلق في رحلتها التي تعترف أنها لم تكن سهلة في بدايتها. وكادت في يوم من الأيام أن تفقد الثقة في الحياة، إلا أن هذه الرياضة أعادت لها الروح، وتستدرك: «الهمة العالية انتصرت أخيرا على الإعاقة (…) بفضل الكاراتيه تلاشت طاقتي السلبية». وحركات الكاراتيه كسرت روتين حياتها اليومية إلى درجة باتت تعشقها وتواظب على ممارستها بشكل دائم. وتقول إنها تقضي وقتا طويلا في غرفتها قبل الذهاب إلى مدرستها وتعكف على مراجعة التمارين الرياضية التي تلقتها على يد مدربها. ولا تأبه البيطار، بصعوبة الحركات التي تمارسها، فكل يوم يمضي يشكل لها تحديا جديدا، تريد أن تكون فيه الأفضل وفق قولها. وتفخر الطفلة الكفيفة، بلعبها للكاراتيه رغم نحافة جسدها، فعقلها الباطني يستوعب ما يتم تلقينه لها بسهولة وسلاسة بحسب تأكيدها. وتجلس على أرضية إسفنجية مخصصة للألعاب الرياضية، وتنشغل بسماع صوت مدربها أثناء إلقائه التعليمات للاعبيه .
وتتمنى البيطار التي غطت رأسها بحجاب قصير وارتدت زي «الكاراتيه الأبيض» لمشوارها أن يستمر وأن ترى نفسها لاعبة كبيرة تشارك في بطولات دولية كما تقول. مدربها حسن الراعي يشعر بالانبهار لإتقانها حركات التدريب بصورة يصفها بـ«المثيرة للدهشة». ويضيف الراعي إن منة الله أول لاعبة عربية من فئة الإعاقة البصرية الكاملة تلعب فن «الكاراتيه». ويتابع: «نقوم بتدريبات لمدة ساعتين لثلاثة أيام في الأسبوع، ويتم تدريبها وفق برنامج معد مسبقا يعتمد على الحركات والألفاظ التي تتناسب مع إعاقتها البصرية». وتعتمد التدريبات بشكل أساسي مع اللاعبة الكفيفة على برنامج الإدراك الحسي الذي يعتمد على الصوت وحفظ الاتجاهات والحركات. ويشعر الراعي بسعادة بالغة وهو يقوم بتدريبها مضيفا: «لديها قدرات فائقة في الاستيعاب، والاستعداد للوصول إلى درجات عالية في فن الكاراتيه، أنا أثق أنها ستصل لمستويات متقدمة في الأحزمة». وتستعد منة بعد شهر من التدريب المتواصل للتخرج من المرحلة الأولى المتمثلة بـ«الحزام الأبيض»، أملاً في الوصول إلى المرحلة الأخيرة بـ«الحزام الأسود». ويختلف ترتيب الأحزمة من بلد إلى آخر، فالحزام هو للدلالة على مستوى المهارة القتالية التي وصل إليها صاحبها، والتي تتراوح بين المستويين المبتدئ «كيو»، والمتقدم «دان». ويؤكد الراعي أن أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة، لهم الحق في ممارسة الرياضة، وما يفعله الأصحاء. وتابع: «لدينا في النادي أطفال وفتيان مكفوفون يلعبون فن الكاراتيه، لكن منة أول طفلة تمارس هذه الرياضة». وبحسب إحصائية لـ«الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني»، فإن عدد الأفراد الذين يعانون من إعاقة بصرية، في قطاع غزة يبلغ 6905 أفراد.