علي الرباعي

أرجع الباحث المحقق الدكتور حمد الدخيّل الفضل في إرساء فن التحقيق إلى المستشرقين كونهم أول من اعتنى بالتراث العربي منذ القرن التاسع عشر الميلادي.

مشيراً إلى أن القرن العشرين شهد حركة دائبة في نشر فرائد التراث العربي ومصادره بعد حركة النشر التي قام بها المستشرقون في أوروبا أواخر القرن التاسع عشر والعقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين. مؤكداً أن المحققين العرب استفادوا من منهج المستشرقين الذين لهم الفضل في وضع اللبنات الأولى لمنهج التحقيق كما ينبغي أن يكون. ولفت الدخيل إلى أن راية التحقيق انتقلت من المستشرقين، إلى خزانات الكتب ومنها خزانة أحمد تيمور باشا (الخزانة التيمورية)، والخزانة الزكية (خزانة أحمد زكي باشا شيخ العروبة)، ومكتبات محمود شاكر، ومحمد عبدالسلام هارون، ومحمد أبوالفضل إبراهيم. ويرى أن المحققين العرب أعادوا تحقيق معظم كتب التراث التي نشرها المستشرقون، ونجحوا في تدارك كثير من الأخطاء التي وقع فيها المستشرقون، منها ما يتصل بالمنهج والطريقة، ومنها ما يتصل بالشكل لغةً وأسلوبًا. إضافة إلى توفير الكتاب في سوق المكتبات العربية إثر نفاد معظم الكتب المحققة من المستشرقين. وثمن لوزارة الثقافة هذه اللفتة التكريمية للمحققين. وعدّ التحقيق من الأساليب البحثية المعرفية كونه يخضع لمعايير ومقاييس لا تقل عن مهارة التأليف وإعداد البحوث العلمية. مبدياً تحفظه على الحداثيين الذين يرون التحقيق عملا فجاً وغير علمي. موضحاً أنه أسهم في تحقيق 6 مخطوطات. وجمع في شرح مقامات الحريري 60 مخطوطة لمقاربة النسخ ومقارنتها ببعضها. كون المحقق يحرص على الاطلاع على جميع نسخ المخطوطة خصوصا ما كان بخط المؤلف. فيما كشف المحقق الدكتور عبدالعزيز المانع عن إسهامه في تحقيق ما لايحصى من المخطوطات. وقال «أنا لم أحص ما حققتُ كوني غير معني بالعدد ولا ألتفت إلى الكم. وعن نقد الحداثيين للتحقيق ووصفه بعرض المعروض وإعادة نشر منشور أجاب» هذا رأيهم وقناعتهم ولا شأن لي بهم «وسألته» هل أنت مقتنع بجدوى التحقيق «فرد» كإيمان الحداثيين بالحداثة. وبخصوص انطباعه عندما علم بتكريمه في معرض الكتاب أوضح أنه لم يصله شيء حتى الآن ويخشى أن يصرّح فيتضح لاحقاً أنه غير مكرم. ووعد أن يصرح لنا بمشاعره عندما يتسلم خطاباً يؤكد تكريمه في معرض الرياض. يذكر أن الدكتور المانع بدأ رحلته مع التحقيق في أطروحة الدكتوراة التي نالها من بريطانيا عام 1977 وهي عن (ابن باطيش الموصلي وكتابه: غاية الوسائل إلى معرفة الأوائل.. دراسة وتحقيق). وأخذ المانع بنصيحة المشرف على أطروحته البريطاني البروفيسور جونستون، الذي نصحه بالانخراط ـبمجرد عودته ـ في العمل البحثي، والعمل على نشر أول عمل (تحقيق) له حتى ولو لم يكن راضياً عنه، فكان أن استهل نشاطه البحثي المنشور عام 1982 بنشر كتاب (المنتخب من كتاب الشعراء) لأبي نعيم الأصبهاني (المتوفى عام 430 هـ) وتحقيق مؤلفه، ونشر في العام نفسه مع الدكتور وليد قصاب

تحقيق كتاب (الأفضليات) لابن الصيرفي (المتوفى عام 525 هـ). من جهته أوضح الدكتور أحمد الضبيب أن الاهتمام بتحقيق كتب التراث بدأ في إقليم الحجاز في مطلع العهد السعودي منتصف العشرينات من القرن الماضي، على أيدي باحثين من أمثال رشدي ملحس وحمد الجاسر وأحمد عبدالغفور عطار ومحمد أحمد العقيلي وأسعد طرابزوني الذين التزموا خط المحققين الأوائل وصنيع الناشرين القدماء في تصحيح النصوص وتحريرها ومقابلة النسخ وإضافة بعض الهوامش. فيما عزا الضبيب إلى الأكاديميين العائدين من البعثات التزام المنهاج الحديث في التحقيق، ومنهم الدكاترة حسن الشاذلي فرهود وعبدالعزيز الخويطر وحسن باجوده، كونهم اعتمدوا المنهجية العلمية الصارمة، كما تعلموها في جامعات الغرب، وعدّ مما حقق على أيديهم كتاب الإيضاح العضدي (1969) وتاريخ الشيخ أحمد المنقور (1970) وكتاب الأمثال للسدوسي (1970) وديوان عبدالله بن رواحة الأنصاري (1972). يذكر أن الدكتور الضبيب من أبرز المحققين العرب. ونال درجة الدكتوراة من بريطانيا عن (دراسة نقدية للأمثال العربية القديمة في كتاب مجمع الأمثال للميداني). وأسس عام 1386هـ جمعية اللهجات والتراث الشعبي في جامعة الملك سعود، وله أكثر من عشرة كتب ما بين تحقيق وتأليف إضافة إلى بحوث ودراسات وإسهامات علمية في ندوات ومحاضرات وترجمة.