فضيلة الجفال

 يتابع العالم كما نحن بترقب الجولة الآسيوية الفريدة والحيوية التي يقوم بها الملك سلمان بن عبد العزيز حاليا، حيث ستعزز علاقات المملكة، مع الاقتصادات الأسرع نموا في العالم، والمرشحة لاستثمار فرص مشتركة في قطاع الطاقة. ولا شك أن الجولة تكتسب أهمية كبرى، فهي إعادة تأكيد لدبلوماسية المملكة في الاتجاه نحو الشرق الآسيوي، وبطابع اقتصادي تجاري متعدد الأقطاب مع التحول البارز في مراكز القوى الاقتصادية العالمية. وهذا التعاون يشمل الاقتصادي والعسكري والسياسي، وهو ما تم تعزيزه سلفا في العام الماضي بزيارات ثنائية متبادلة بين المملكة وتلك الدول، قام ببعضها الأمير محمد بن سلمان.


وكما هو واضح، تركز جولة الملك سلمان على عقد اتفاقيات تجارية وتنويع الشراكات الاستراتيجية، وبمشاريع تنفيذية عملية من خلال الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، ولا سيما أن الملك يرافقه وفد رفيع من التنفيذيين، الأمر الذي يعطي دفعة عملية للاتفاقيات كالتجارية والاستثمارية ومن ثم للعلاقات. لذا فمن المتوقع أن يكون لهذه الجولة دور حيوي في مسار علاقات المملكة مع تلك الدول وذلك في مختلف المجالات المذكورة، إذ تشكل "رؤية السعودية 2030" مرتكزا مهما لتعزيز التجارة والاستثمار بين المملكة وتلك الدول. الأمر الذي قد يكون بمنزلة إنعاش لمشروع طريق الحرير المهم جدا لدول الشرق الآسيوي ولا سيما الصين.
فماليزيا التي انطلقت منها الجولة مثلا دولة ذات أغلبية مسلمة وهي عضو في التحالف الإسلامي مع السعودية لمحاربة الإرهاب، كما هي من النمور الآسيوية الاقتصادية، وزيارة الملك سلمان لها هي الثالثة بين ملوك السعودية. أما اليابان فهي الزيارة الأولى لملك سعودي منذ 46 عاما بعد الملك فيصل، وهذه الزيارة هي إحدى أبرز محطات هذه الجولة. كذلك الأمر بالنسبة لإندونيسيا المهمة في هذا التعاون ولا سيما في قطاع الطاقة. وبالنسبة للصين، فمع هذه المحطة تدخل الشراكة الاستراتيجية السعودية - الصينية منعطفا حيويا من خلال تعزيز الشراكة طويلة الأمد من مختلف أطرها السياسية والاقتصادية والعسكرية، ومن ذلك دعم الأمن والسلام في المنطقة والتصدي للإرهاب. ولا سيما أن كلا من المملكة وإندونيسيا واليابان والصين دول في مجموعة العشرين الاقتصادية.
قرأت أخيرا تقرير "ما وراء العولمة"، لمعهد بحوث "كريدي سويس"، ثاني أكبر المصارف السويسرية، الذي يوصي بالتحرك نحو التعددية القطبية، فعام 2017 يؤذن بحقبة جديدة في تاريخ العولمة عززتها أحداث العام الماضي. ولا شك أن تراجع العولمة ما زال موضع جدال. لكن الأهم أنه على الصعيد الاجتماعي ــــ السياسي، هناك تحديث مهم فيما يخص التنمية البشرية مع انفتاح أكثر في المجتمعات، وعلى الأرجح من خلال فتح المجال للاستثمارات التجارية للدول ذات الاقتصاد الناشئ. عالم متعدد الأقطاب يعني تراجع هيمنة الغرب على العالم الاقتصادي وبروز دور الشرق على الكفة. وهذا بالفعل ما شهدته نقاشات منتدى دافوس الاقتصادي الرئيسة أخيرا هذا العام بين خبراء ومحللي الاقتصاد والسياسة. الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها العالم، كما الأوضاع الأمنية فيما يخص الإرهاب لم تؤثر في العلاقات سلبا بين الدول بل دعمت الاتفاقيات وتوطيد العلاقات لتحسين بيئة الاقتصاد كما الأمن. وبين الاقتصاد والأمن علاقة طردية تقوم عليها علاقات سياسية صحية.