محمد علي فرحات

لا أحد يتوقع حصول «القاعدة» على الجائزة الذهبية السورية، نعني العاصمة «دمشق». لا التوازن العسكري مع حي جوبر يسمح بذلك ولا الحضور العسكري والسياسي لموسكو وأنقرة، ومعهما إيران بأذرعها المتنوعة.

لكن وضع دمشق مقلق أكثر من أي مرحلة في الثورة السورية خلال سنواتها الست، فعلى رغم ثقة المواطنين بأن الأمر لا يعدو رصاصاً على جبهة جوبر وقذائف تسقط في المدينة فتعطّل حياة الناس قبل أن يستأنفوها من جديد، فإن القلق مرشّح للاستمرار طالما خرق وقف النار قائم عند بوابات دمشق الشرقية.

لماذا الآن، وقد كان الطرفان على خط التماس يتعايشان ويسمحان بتبادل البضائع وأحياناً بعبور البشر من دمشق وإليها؟ أيكون «القاعدة» طامحاً للحضور في جنيف؟ والطموح غير معقول لكونه في مقدم لائحة الإرهاب قبل «داعش» ومعه. أتكون المعارضات العسكرية التي امتنعت عن حضور لقاء آستانة الأخير تبعث برسالة «قاعدية» لتعزيز مواقفها في جنيف اليوم؟ أو أن الأمر يتعلق بمنع النظام من استكمال حصاره المطبق على «القاعدة» و «فيلق الرحمن» المتحالف معه، وقد بلغ نقطة خانقة لا يتحمّلها التنظيمان المتطرّفان؟

أسئلة الواقع هذه لا تنفي تعطيل الحياة في العاصمة التي تضم ما يفوق ستة ملايين سوري ما بين ساكن أصلي ونازح من مناطق سيطرة المعارضات. فضلاً عن رمزية دمشق بالنسبة الى الدولة السورية والنظام والقوى الإقليمية والعالمية، خصوصاً الوطن الصغير لبنان حيث يدخل النزوح السوري دائرة الخطر إذا تهدّدت إقامة سكان دمشق واندفعوا الى المكان الآمن الأقرب جغرافياً وإنسانياً: هل يحمل دي ميستورا هذا الملف المفاجئ في جولاته التمهيدية على عواصم مؤثرة في محادثات جنيف السورية؟ لن يهمل مبعوث الأمين العام هذا الملف ولن يسمح المجتمع الدولي بموجة نزوح جديدة، في الوقت الذي تسعى الولايات المتحدة لتكريس مناطق آمنة للسوريين في أنحاء عدة من وطنهم.

ولكن، لا أحد يأمن لـ «القاعدة» بأسمائه المتعددة، وهو في سورية يستهتر بالمواطنين جميعاً ولا يعتبر نفسه داعماً للمعارضة بالضرورة. لذلك نفتقد مبادرة تشبه مبادرة أسامة بن لادن في أفغانستان حين بايع الملا عمر زعيم «طالبان» من باب التقرُّب إلى قوة محلية تشارك «القاعدة» بعض اتجاهاته الدينية والسياسية المتشدّدة. لا يحتاج التنظيم مثل هذه المبايعة في سورية، فهو يقاتل المعارضات الإسلامية بالمستوى الذي يقاتل فيه النظام وربما بأكثر شراسة، لأن «القاعدة» في سورية يحتقر الوطن السوري والمنتمين إليه بمثل ما يحتقر الجماعات الإسلامية من باب أنه وحده يمثّل الإسلام السياسي والجهادي في العالم.

على بوابة دمشق الشرقية شارع فارس الخوري المؤدي إلى جبهة «القاعدة». نحاول في خيالاتنا أن نمحو التنظيم المتطرّف وأن نضع في مكانه معارضين ليبراليين ويساريين، بورجوازيين وعمالاً وفلاحين، فنانين وإداريين، شعراء وفلاسفة ورجال دين روحانيين، شباناً وشابات، متعلقين بعراقة الماضي ومتطلّعين إلى وعود المستقبل. هؤلاء كلهم حين يعبرون من جوبر لا يستطيع النظام منعهم ولا يتباطأ السكان في استقبالهم والفرح بهم حاملين صورة سورية الجديدة. تتكسر الخيالات ويظهر الواقع عارياً: إن دمشق عاصمة الأمويين وأقدم مدينة مستمرة في العالم، مهدّدة من تنظيم عدمي اسمه «القاعدة»، طالعتنا مآثره في أفغانستان دماراً في العمران وخراباً في النفوس وكراهية معممة على الذات والآخر.