ألقى مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي العراقي، الجمعة، كلمة أمام الآلاف من أنصاره في ساحة التحرير وسط العاصمة العراقية جاءت في شكل وصية سياسية لما عليهم أن يفعلوه بعد اغتياله، مؤكدا تلقيه تهديدات بالقتل على خلفية مواقفه المتمسكة بالإصلاحات.

وعزا مراقبون خطاب المغالاة في استعادة المظلومية والتحسب للشهادة في كلمة الصدر إلى استشعار الأحزاب المرتبطة بإيران للخطر المستقبلي على دورها في العراق في ضوء استراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الهادفة إلى إخراج العراق من دائرة الهيمنة الإيرانية وانفتاحه على المحيط العربي.

وقال الصدر “أبلغكم ببعض النقاط المهمة تسيرون عليها، أولها استمرار الثورة الإصلاحية بلا كلل أو ملل حتى وإن قتلت، والمحافظة على سلمية المظاهرات إلى النهاية، ولم أرض بتحولها إلى غير ذلك”.

وأضاف “لسنا ممن يخافون من التهديد بالقتل أو الموت كما دأب الكثير منهم بإيصال رسائل التهديد ولم يرقبوا فينا إلا إحدى الحسنيين”، مشيرا إلى أن “الرسائل باتت واضحة وجلية إن نجحوا بقتلي أو اغتيالي أسألكم الفاتحة والدعاء”.

وقال متابعون للشأن العراقي إن الصدر بدا حريصا على اختيار مفردات تحيل على الذاكرة الطائفية عن “الشهيد الحي” لاكتساب تعاطف واسع داخل الشارع لتحقيق أهداف معينة منها ما يتعلق بصراعه مع الخصوم داخل البيت الشيعي، ومنها ما يتعلق بالتحديات الخارجية التي قد تمس العملية السياسية التي نجحت إيران في تجييرها لنفسها وتوظيفها في ارتهان العراق لأجندتها الإقليمية.

وفي سياق سعيه لكسب نقاط على خصومه، أعلن الصدر أن الجيش وحده الذي يجب أن يسيطر على المناطق التي تمت استعادتها من داعش في علامة واضحة على القلق من استغلال جماعات منافسة له المكاسب التي تحققت لتوسيع نفوذها.

وأضاف “لا بد من مساندة الجيش العراقي والقوات الأمنية لكي تكتمل انتصاراتها في المناطق المغتصبة”، و”لكي تكون هي الماسكة للأرض بعد تحريرها، ولا غيرها سواء في ذلك المحتل أو القوات الأجنبية أو غيرهما”.

وتبدو مخاوف الصدر سياسية بالدرجة الأولى إذ يساوره القلق من زيادة نفوذ ميليشيات الحشد الشعبي شمال العراق، ما قد يعبد الطريق إلى نفوذ أكبر للشخصيات الداعمة لها، وهي شخصيات منافسة له وحالت دون سعيه إلى الزعامة.

وقال المحلل السياسي أحمد يونس الذي يتخذ من بغداد مقرا له إن كلمة الصدر رسالة واضحة للمنافسين الشيعة.

وأضاف “إنها رسالة واضحة للمجاميع الشيعية المسلحة الأخرى بعدم أخذ دور القوات الحكومية والسيطرة على الأراضي تحت ذريعة محاربة داعش. مقتدى يحاول أن يضع حدا لخصومه”.

وهدد الصدر بمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقبلة واتهم المفوضية العليا للانتخابات بالانحياز لبعض الأحزاب.

القبول بمقتدى الصدر عضوا في التحالف الشيعي لا يعني الموافقة على آرائه

وشدد على أن “صناديق الاقتراع يجب أن تكون بأياد مستقلة أمينة لا بأياد مسيسة مقيتة” في إشارة إلى أعضاء المفوضية الحاليين.

واعتبر المراقبون أن الصدر الذي لا يلقى حظوة كاملة لدى إيران والتي راهنت على شخصيات شيعية منافسة له لإدارة المرحلة، يريد أن يثبت أنه الأقوى تأثيرا في الشارع مستفيدا من غضب واسع للعراقيين على نتائج العملية السياسية، وأن يوظف ذلك لتغيير القانون الانتخابي على أمل أن يتحول تياره إلى تيار غالب في البرلمان لإقناع طهران بأحقيته بالحكم والزعامة.

ومن شأن تعديل القانون الانتخابي، وتغيير تركيبة مفوضية الانتخابات التي يتهمها بموالاة منافسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، أن يحقق هدفه لتغيير التوازنات داخل البرلمان.

ولفت المراقبون إلى أن حالة الإرباك التي عكستها كلمة الصدر تكشف عن ارتباك أوسع داخل البيت الشيعي ما بعد الانتهاء من معركة داعش، خاصة في ضوء إصرار أميركي على لعب دور أكبر في العراق ما قد يقود إلى صدام مع إيران.

ويرى مراقب عراقي أن من حق الصدر أن يستشعر الخطر، وهو أمر ليس جديدا عليه، فالرجل الذي خاض تياره معركتين منفصلتين، الأولى ضد القوات الأميركية في النجف والثانية ضد القوات الحكومية في البصرة يوم كان المالكي رئيسا للوزراء، يعاني من شتى أنواع العزل والنبذ والتهميش من قبل أعضاء التحالف الشيعي الحاكم.

وأضاف المراقب العراقي في تصريح لـ”العرب” أن القبول به عضوا في التحالف الشيعي لا يعني موافقته على آرائه التي ينظر إليها الكثيرون باستخفاف، بل هو محاولة للحيلولة دون تهدم البيت الشيعي، ومن أجل عدم إثارة استياء أتباع الصدر الذين يقدر البعض عددهم بسبعة ملايين، وهو ما يعني أن الرجل يحظى بشعبية لا يحظى بها سياسي عراقي آخر.

وستؤدي دعوة الصدر إلى حل ميليشيات الحشد الشعبي بعد انتهاء معركة الموصل بالضرورة إلى ردود أفعال متشنجة من قبل دعاة تحويل الحشد الشعبي إلى قوة سياسية لإدارة البلد بأسلوب الطوارئ، وعلى راس هؤلاء المالكي.

وأكد المراقب “إذا ما عرفنا أن المالكي، وهو عدو دائم للصدر، يتصدر صفوف المتحمسين للحشد الشعبي يمكننا أن نفهم دواعي شعور الصدر بدنو الخطر، ناهيك عن أنه شخصيا لا يثق بإيران، بالرغم من أنها حريصة على أن تغطي كل الفرقاء الشيعة بخيمتها، متوقعا أن يشجع انعدام الثقة بين الطرفين أطرافا شيعية على التمادي في عزل الصدر أو إلحاق الأذى به وبتياره.