حسين شبكشي

 عندما يريد طرف أن يبرر وجهة نظر بشكل عاطفي، وبعيداً عن الموضوعية، يُدخل في حجته مسائل خارجة عن الموضوع الأساسي، ويُصعّد في طرحه بشكل درامي. هذا ما يحدث الآن في الطرح «الرافض» لفكرة بيع حصة من شركة «أرامكو السعودية». فالفريق المعترض على الفكرة يُصعّد «بالإثارة»، وغير ذلك من الطرح العجيب. ولذلك سأحاول هنا تقديم طرح المؤيد لبيع حصة في «أرامكو»، وأنا أعي تماماً أنني قد أسير على حقول من الألغام.


لعل التحدي الأهم والأخطر الذي يواجه الاقتصاد السعودي اليوم، هو أن ينضب النفط اقتصادياً قبل أن ينضب طبيعياً، تماماً مثل ما حصل مع الفحم، وهو الذي لا يزال يُنتج ويُصدر ويُستخدم، ولكن بشكل غير مؤثر على خريطة الاقتصاد العالمية.
قيمة النفط تقل، وبالتالي عوائده ستستمر في الانخفاض، وعليه فالشركة التي تنتجه (وفي هذه الحالة بالنسبة للسعودية «أرامكو») ستقل قيمتها المالية مع مرور الوقت. فإذا كانت تساوي مائة اليوم، ستساوي تسعين غداً، وثمانين بعد غد، على سبيل المثال.
ولهذا الهبوط في القيمة التقديرية أسباب لم تعد خافية على أحد، ولكن هناك من ينكرها ويختار تجاهل وجودها، وبالتالي قد يكون من المفيد إعادة التذكير بها.
كمية النفط الموجودة اليوم في الأسواق هائلة والعرض أكثر من الطلب، وهذا مرجح للاستمرار في ظل كثرة الأخبار عن اكتشافات للحقول النفطية الجديدة، وكذلك مواصلة استخراج النفط الصخري من الولايات المتحدة (علما بأن أميركا لا تملك أكبر المخازن للنفط الصخري، ولكن هذا من نصيب الصين والأرجنتين وموريتانيا والمغرب والأردن، ولكنهم لا يملكون التقنية المطلوبة لاستخراجه، وبالتالي هذا مجرد عامل وقت ليس أكثر).
استمرار التركيز والتنامي في ذلك، نحو وسائل الطاقة البديلة الأكثر نظافة وإيجابية مع البيئة، مثل الغاز والهواء والشمس وغيرها، وهي مصادر للطاقة تزداد كفاءة وتحسناً في أدائها مع التعلم من التجارب السابقة وتخفيض تكلفة الإنتاج (المغرب وحده ينوي أن يكون خمسين في المائة من طاقته من الطاقة الهوائية في خلال سنوات قليلة مقبلة). وما ينطبق على المغرب ينطبق على دول أخرى حول العالم، وضعت أهدافاً مماثلة.
وهناك ظاهرة إدمون ماسك، مؤسس شركة «تيسلا» للسيارات الكهربائية، الذي سيكون لعالم الطاقة مثلما كان ستيف جوبز لعالم الاتصالات، فهو سيحدث ثورة هائلة وعظيمة لو اكتمل نموذجه للأعمال. اليوم أطلق منتجات الطاقة البديلة ذات الكفاءة العالية والفعالية الكبرى في عوالم السيارات، وأدت إلى استهلاك منخفض جداً وثوري للطاقة، ويسعى لإعداد نفس النموذج بعد تطويره ليطبق على نموذج الطائرات والمدن. ولكم أن تتخيلوا آثار ذلك على معدلات استهلاك الطاقة التقليدية من النفط.
واليوم جميع شركات إنتاج السيارات العالمية الكبرى، أصبح لديها نموذج شبيه لفكرة «تيسلا»، وذلك لقناعتها التامة بأن المسألة ليست عرضية طارئة أو حالة مؤقتة وعابرة، ولكنها وُجدت لتبقى.
كل ذلك أصبح واقعاً ومؤثراً على حال سوق النفط العالمية. ولعل أبرز علامات فقدان النفط لبريقه القديم هو مدى تأثره بالحروب، حيث كانت أسعاره تشهد قفزات قياسية عند مجرد الحديث عن أخطار الحروب في المنطقة. هذا الشيء تغير تماماً، فاليوم المنطقة مليئة بالحروب والأسعار لم تتأثر نتاج ذلك.
كل هذه الشواهد تؤكد أن على السعودية الاستعداد للدخول وبجدية لعالم ما بعد النفط. وبيع حصة من «البقرة الحلوب» (أرامكو)، هو مكالمة إيقاظ واقعية، وإجبار حقيقي على قطع الحبل السري مع النفط، والتحول الجاد لاقتصاد لا علاقة له بالنفط؛ لأن الاقتصاد النفطي أوجد وضعاً غير طبيعي، وهذا الوضع غير الطبيعي غير قابل للاستدامة. بيع حصة في «أرامكو» بقيمة محترمة اليوم وتوجيه العوائد لتنمية موارد غير نفطية هو حل جيد بعيداً عن العواطف والتشنجات. و«أرامكو» اليوم قيمتها أعلى وأهم وأفضل من قيمتها في المستقبل، طالما ظلت تعتمد على النفط فقط. هذا هو الواقع مهما تم تزيينه بعكس ذلك.. .