أمين حمادة 

تبرز تقلا شمعون في استثناء من الأجدر أن يكون القاعدة، كواحدة من القليلات الآتيات بخلفية فنية أكاديمية، بين الممثلات اللبنانيات اللواتي يتصدرن مشهد الشاشة الصغيرة، زميلاتها القادمات من بوابات عالم الجمال (من دون تقويم لهذه الظاهرة) على عكس ما هو حاصل في الدراما السورية مثلاً.

تقول شمعون لـ «الحياة» خلال بعض الوقت المتاح بين المشهد والآخر في موقع تصوير مسلسل «ثورة الفلاحين»، إن «العنصر الأكاديمي حين يكون موجوداً، يذهب بمفهوم التمثيل إلى مكان عميق جداً، لا شك في أن الخلفية الثقافية والعلمية لمهنتنا هي عنصر أساسي لا يفرط فيه، لا يمكن أن نقول إن الموهبة والخبرة تكفيان»، مضيفةً: «بالنسبة إلي التمثيل علم، هناك ما يحتاج الممثل إلى معرفته لتعمير شخصية، وإلا سيفشل في ذلك». وتجيب رداً على تساؤل حول سبب طغيان العنصر الجمالي في اختيار الممثلة للأدوار الأولى، بأنه «أتى نتيجة الأعمال المدبلجة، أصبح الجميع يبحث عن مقاييس الجمال الموجودة في الممثلات المكسيكيات والأتراك، ما غيّر النظرة الفنية وخيارات المنتج. الجمال في الدراما يجب أن يشبه الواقع، ليست كل الفتيات باهرات الجمال في الحياة، ولكن الفكر التسويقي أصبح يبحث عن المواصفات التي لا تتوافر في أي بيئة، ما جعل الكثير من الفتيات اللبنانيات يلجأن إلى تقليد هذه النماذج». وتطرح تساؤلها الخاص: «لا أعرف إذا كان هذا الأمر سيحصل في الدراما السورية، بعدما أصبحت تتطبع أيضاً بالدراما التركية المدبلجة».

وتتحدث الممثلة الحاصلة على ديبلوم دراسات عليا في الإخراج والتمثيل، عن تجربتها كمديرة «كاستينغ» في عدد من الأعمال الفنية في معرض الإجابة على دور تجارب الأداء في فتح الباب أمام طلاب التمثيل: «بالدرجة الأولى نسعى للبحث عن مواهب في ملعب التحصيل العلمي، ولكن حين التعذّر، يسعون إلى وجوه معروفة ومشهورة. في تجربتي، كنت حريصة جداً على أن أشرك أصحاب الاختصاص في المسرح والدراما، والاهتمام بالعلم والمعرفة والموهبة قبل الحسابات الأخرى، ولكن في حال عدم إقناع المخرج، أضطر إلى الخيارات الأخرى، إضافة إلى الوجوه الجديدة، أدخلت الكثير من الوجوه غير المستهلكة والمنسية في أعمالي».

وتشير إلى إمكان التوفيق بين الموهبة والجمال وصقلهما في شكل علمي كتدريبها الممثلة الشابة ستيفاني صليبا، قائلةً: «كثيرون من يرغبون بأن أدربهم، وأنا دربت ستيفاني صليبا، بالنسبة إلي هي موهبة موجودة وتعمل على تطوير نفسها، لجأت إليّ وخضعت لدورة، هي تبحث عن التمكن من أدوات التمثيل». وفي حين تلفت إلى الفارق بين خضوع الممثل لدورة تدريبية وحصوله على مدرب خاص يرافقه إلى أدواره فيكون مسؤولاً عن أداء الممثل بالكامل، ترفض شمعون مهاجمتها بسبب هذه التجربة: «أنا ضد الكلام الذي ينتقد تقلا لأنها دربت ستيفاني، إذا لم تعجبهم، هي كانت جدية ودؤوبة، نحن بحاجة لأشخاص مثلها في الدراما، تفكر دائماً وتعمل على تطوير نفسها دائماً، فلماذا هناك من يحكم عليها بالفشل؟ أنا لم أكن معها في الأدوار، علمتها أدوات الممثل، وطريقها لا تزال طويلة وتعرف ذلك جيداً».

ولا تشعر الفنّانة الخمسينية بأن مساحات الأدوار تضيق في هذه المرحلة العمرية أو تفرض عليها قالباً نمطياً. تقول: «خياراتي متنوعة دائماً وواثقة، ولا أشعر أنه في العمر الذي أنا فيه تضيق خياراتي، لا سيما أن كتاباً يهتمون كثيراً بهذه الفئة العمرية حالياً، بأعمال تنظر للمرأة بالعمر المتوسط وتتحدث عن وجعها وألمها وقضاياها وظروفها وما تحلم به وتفاصيل حياتها الجميلة والمأسوية. نرى أن هذه المرأة لا تزال تعيش وتتحرك وموجودة وتنتج». وتضرب مثالاً دورها في بطولة مسلسل «فخامة الشك»: «نحن بعيدون من النمطية، والبرهان أن شخصية «عايدة»، تظهر المرأة بكل تفاصيلها، ولا تحصرها بأنها والدة «أمير» أو زوجة «جهاد».

ولا تقبل شمعون حصر الممثلات اللبنانيات البارزات في الفئة العمرية ذاتها بالثلاثي كارمن لبّس ورولا حمادة وهي، مع تأكيدها على أنه «تريو جميل جداً، وأينما وضعته ينجح، كل شخص فينا بحكم موهبته وخبرته ودراسته، تعلّم أن يتبنى أي شخصية مهما كان مستواها الاجتماعي وظروفها المكتوبة على الورق ويلعبها، ولا أحد منا يقول أنا أقدر في هذا الدور من الشخص الآخر». وتضيف: «ربما نحن متواجدون في الأعمال أكثر من غيرنا اليوم، لأننا من فئة عمرية معينة لا تزال محافظة على جمهور ومشاهدين، ولكن هناك الكثير من الممثلين البارعين في الفئة العمرية الخاصة بنا، مثل جوليا قصّار المميزة جداً والتي تعمل أكثر في السينما، وتستطيع أن تعطي قيمة كبيرة في الدراما التلفزيونية عند مشاركتها».

وتكشف شمعون بعض تفاصيل شخصية «نرجس» التي تصور مشاهدها حالياً في مسلسل «ثورة الفلاحين» (كلوديا مارشيليان وفيليب أسمر) الذي تراه «جدياً على كل الأصعدة الإنتاجية والفنية والتقنية»، موضحةً أنها «من البكوات، امرأة لم تتزوج وهذا الشيء كان من علامات الاستفهام التي تطرح من قبل عائلتها، إلى أن نعرف السر الغامض في حياتها ونعرف السبب. لم يرني المشاهد بهذه النوعية من الشخصيات سابقاً. الجميل فيها أنها عاشقة و «ثورجية» وتتمتع بإنسانية عالية». ومع متابعتها، كلما سنحت الفرصة، مسلسل «فخامة الشك» (كلوديا مارشيليان وأسامة الحمد) الذي يعرض على شاشة «أم تي في» اللبنانية، لا تحبّذ السؤال عن تقويم أدائها فيه، تاركة المهمة للصحافة النقدية والمختصة التي «أصبحت للأسف نادرة مقارنة بالصحافة الصفراء» وفق رأيها. وتجيب إزاء شيء من الإصرار: «خياراتي كانت صحيحة، ولكن دائماً ما لا يكون الفنان راضياً عن نفسه مئة في المئة، إلّا أني تمكنت من تقديم شخصية «عايدة» بدور جديدٍ لم أقدمه قبلاً، وأوصلتها شخصية كما أريد وكما يجب أن تكون. أشعر بأن ذلك كان واضحاً في النظرات وطريقة الحياة والعيش والتصرف، والمفهوم الخاص بالحياة في الشخصية. ومنذ التصوير كنت مرتاحة بإدارة المخرج وعمله وطريقة إخراجه».