عبد الله مصطفى

سعياً لنشر مفهوم التعايش السلمي بين أتباع جميع الأديان والمعتقدات وإمكانية التحاور وجمع الأفكار انطلاقاً من مبدأ السلم والسلام، جاءت النسخة الثانية من مهرجان السلام في بروكسل بحضور شخصيات دينية وسياسية وثقافية.

فعاليات المهرجان من ندوات وأعمال فنية حملت رسالة للحب والسلام بين جميع شرائح المجتمع البلجيكي، خصوصاً أن الفعاليات جاءت بالتزامن مع إحياء ذكرى تفجيرات مارس (آذار)، العام الماضي، وفي ظل تساؤلات مطروحة على الساحة الآن، حول ما قَدَّمَته السلطات الحكومية والدينية، لمواجهة التطرف والإرهاب.

وعلى هامش المهرجان، التقت «الشرق الأوسط» بجولي ديخروت رئيسة برلمان بروكسل الفرانكفوني، التي قالت: «بالنسبة للأمن ربما نقول إن السلطات الحكومية قامت بالكثير، ولكن لم تفعل المطلوب لمساندة مثل هذه المبادرات التي تعد أفضل رد على تفجيرات بروكسل، ونحن بحاجة إلى مثل هذه الأنشطة ويجب أن ندعمها». وأضافت المسؤولة البلجيكية: «لقد لاحظنا حضوراً مكثفاً لعناصر الجيش والشرطة في الشوارع وفي محطة القطارات والمترو، وهذا يعني أن الحكومة فعلت الكثير في مجال الأمن، ولكن هل فعلت الحكومة الكثير من أجل تنظيم مثل هذه الأنشطة الثقافية؟».

وتجيب ديخروت بالقول: «طبعاً، لا، ولهذا قررنا نحن في برلمان بروكسل أن نساند هذه المبادرة وندعمها لأنها مهمة جدا وفيها يأتي الجميع ليقولوا إن هذه هي بروكسل، فيها السعادة والتناغم، حيث نشارك معاً في أنشطة ثقافية وفنية وهذا هو الرد على تفجيرات بروكسل التي وقعت في العام الماضي».

وحول التعامل مع الشباب وحمايتهم من براثن التطرف قالت رئيسة برلمان بروكسل: «لقد اهتمت الحكومة بالانتشار الأمني في الشوارع والمراكز الاستراتيجية، ولكن لم تفعل الكثير من أجل إيجاد حلول حقيقية لمشكلات الشباب، وحتى نقول لهم إن لهم مكاناً هنا في بروكسل، ولإشعارِهِم بأن تلك هي مدينتهم، وأضافت: «لقد نفذت الحكومة ما يُعرَف بخطة القنال في الأحياء التي يقطنها غالبية من المهاجرين وهي خطة تتضمن بعض الإجراءات، ومنها نشر المزيد من الجنود وعناصر الأمن، ولكن من وجهة نظري فإن الرد الحقيقي هو مهرجان مثل هذا يقول للشباب إنهم في بؤرة المشروعات والاهتمامات الحكومية».

وحول رأيها في المسؤولية في حماية الشباب من الوقوع في براثن التشدد، هل هي مسؤولية الحكومة أم أولياء الأمور أم المدارس أم المؤسسات الدينية مثل المساجد وغيرها، قالت رئيسة برلمان بروكسل: «أعتقد أن جميع الأطراف مسؤولة عن حماية الشباب ومواجهة التطرف، ولكن أولاً هي مسؤولية السلطات العامة وبعدها المدارس ثم المجتمع بمنظماته المختلفة، وأخيراً أولياء الأمور وأيضاً المساجد، ولكن المهم في الأمر هو ألا نوجه أصابع الاتهام بالتقصير لكل طرف ولا ألا يتحمل طرف بمفرده المسؤولية في حدوث التشدد، فمثلاً البعض يتحدث عن دور المساجد في مشكلة التطرف، وأنا أقول: كيف يمكن أن يحدث هذا؟ ويكفي أن نعلم أن الإرهابيين الشباب لم يذهبوا إلى المساجد، ولم يقرأوا القرآن بل كانوا يتناولون الخمور وأموراً أخرى. ويجب أيضاً ألا نقول إن أولياء الأمور يتحملون المسؤولية؛ فهم يتعاملون مع الأمر على قدر إمكاناتهم، ويعملون كل ما يستطيعون فعله في عالم صعب وفي ظل أوضاع صعبة».

وتضيف المسؤولة البلجيكية بالقول: «المدارس أيضاً يجب أن تراقب التلاميذ جيداً لاكتشاف أي منهم لا يريد أن يستمر في التعليم، ويجدون الحلول بالتعاون مع أولياء الأمور، كما أن السلطات الحكومية عليها أن توفر لهؤلاء الشباب أنشطة ثقافية ورياضية ومنها أنشطة مثل هذا المهرجان».

وحول دور العنصرية في تطرف الشباب ووقوع المشكلات المجتمعية قالت رئيسة برلمان بروكسل: «العنصرية موجودة، ولها دور، والشباب يعاني بسبب العنصرية والكراهية في أثناء البحث عن العمل والسكن وفي المتنزهات والشوارع، ويجب علينا جميعاً العمل من أجل مكافحة العنصرية والكراهية».

ولاحظت «الشرق الأوسط» وجود أعداد من البلجيكيين إلى جانب أبناء الجاليات العربية والإسلامية الذين حرصوا على حضور المهرجان والاستمتاع بفقراته المتنوعة، ووقفوا في صفوف طويلة انتظاراً لدخول مقر المهرجان الذي استمر يوماً بإحدى صالات أرض المعارض في بروكسل، وعندما سألت شخصاً بلجيكياً في الثلاثين من عمره حول أسباب حضوره إلى المهرجان قال: «نريد السلام ويجب أن نتحد جميعاً ونظهر للجميع أننا نستطيع أن نعيش معاً في ظل هذا التعدد والتنوع الثقافي».

من جانبه، قال فريد الصمدي مسؤول المهرجان إنه «بعد نجاح النسخة الأولى من المهرجان العام الماضي لاحظنا أن البلجيكيين يريدون مثل هذه المبادرات، وقررنا التوسع في الأنشطة والفعاليات»، مضيفاً: «تتلخص فكرة المهرجان الذي شارك فيه قادة الأديان والنخب السياسية والأحزاب، لمناقشة مفهوم التعايش المشترك وضرورة الوقوف ضد العنصرية. قاسمهم المشترك هو الانتصار لقيم الإنسانية والعيش المشترك. وكذلك تعرض أعمال فنية تدعم القيم الإنسانية السامية التي يدعو لها المهرجان».

ومنذ تفجيرات العام الماضي، أجرت الحكومة تعديلات تشريعية ومنها ما يتعلَّق بقوانين الضبط الجنائي وسحب الإقامة والامتيازات المالية من المقاتلين الذين سافروا إلى مناطق الصراعات، إلى جانب نشر أعداد كبيرة من الجيش والشرطة، بينما أطلقت المنظمات الإسلامية مبادرات، وشاركت في فعاليات تؤكد على التضامن وتعزيز التسامح والوسطية ونبذ العنف.

وحسب كثير من المراقبين، فقد تضافرت الجهود طوال الشهور التي أعقبت تفجيرات بروكسل سواء على مستوى الحكومة والأحزاب المختلفة ومنظمات المجتمع المدني وقيادات الجالية المسلمة لترسيخ مفاهيم التعايش السلمي وقبول الآخر، وتفويت الفرصة على كل من يدعو إلى العنصرية والتمييز على أساس عرقي أو ديني.. . .