جاسر الحربش

أزعجنا أساطين الصحوة بالتخويف من التغريب فأنسونا مشاكل التشريق. أخافونا باستلاب الهوية والثقافة بسبب التغريب ففقدنا اللغة والأموال والسيطرة الاجتماعية بسبب التشريق. حذرونا من الابتعاث ومن قيادة المرأة لسيارتها الخاصة فامتلأت البيوت والشوارع والصحارى بالسائقين والخدم والبائعين والمروجين وتحولت أحياء بكاملها إلى مناطق محظورة على المواطنين في كل دول مجلس التعاون.

مصطلح الحداثة الزائفة استعرته من مقال الكاتب الإماراتي الدكتور حسين غانم غباش عن الهجرة والاستيطان والمستقبل الغامض، يعرض فيه بالأرقام الأحوال الديموغرافية في دول مجلس التعاون. يقول د.غباش: لم يعد الأمر يهدد الهوية الثقافية التي همشت والثوابت الوطنية التي اهتزت، بل يشكل خطراً على ما تبقى من الوجود البشري العربي ذاته. الخارطة الديموغرافية في الخليج العربي كالتالي: تصل نسبة العمالة الأجنبية في الكويت إلى 60 %، البحرين 50 %، السعودية 40 %، قطر 85 % وفي الإمارات 90 % من مجمل السكان.

الاستنتاج حسب المقال: خلف المباني الشاهقة وبريق الثراء ثمة مأساة وطنية وقومية في طور التحقق. تحولت المسألة إلى استيطان آسيوي واضح وطاغٍ. كيف تم ذلك بصمت محير، هل هو نتاج تطور طبيعي أم أن ثمة محركاً خارجياً، وهل ثمة مخرج؟.

يقول د.غباش: الإشكالات الحقيقية تكمن في التوجهات التنموية، في الفكر التنموي ذاته. تشجيع الاقتصاد الريعي والحداثة الزائفة أهملت حقائق الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ.

الآن أعود للسطر الأول في هذا المقال، ما ذنب الصحوة في التشريق عندما كانت تحذرنا من التغريب؟. مسيرة التنمية في الخليج العربي في الثلاثين سنة الماضية بنتائجها المذكورة أعلاه لم تتعرض لها الصحوة بكل أنواعها المذهبية والطائفية والجهادية. ركزت الصحوة على حقن عقول الشباب بالتمسك بالماضي، فلا علم آخر غير العلوم الشرعية ولا جهاد سوى ضد اليهود والنصارى. النتيجة كانت الإرهاب الطائفي المتبادل بين المذاهب وداخل كل مذهب نفسه بين مكوناته الخاصة، أما التنمية فتركناها بحذافيرها للحداثة الزائفة كما يستنتج د.غباش.

اليابان وكوريا وسنغافورة وماليزيا وتركيا غربت حيث العلم والفكر والتقنية، واستفادت وحافظت على مكوناتها الديموغرافية والوطنية أفضل من الدول التي شرقت. الخليج شرق ديموغرافيا حتى كاد يفقد هويته وبدأ أطفاله ينسون العربية، فحصل على الحداثة الزائفة في المباني الشاهقة وبريق الثراء.

في الثلاثين سنة الماضية كان هناك الكثير من الرعد والبرق والقليل جداً من المطر، وعلى الأجيال الشابة من الحكام والإداريين مهمة الاستمطار الذاتية والتخلص بذكاء من الاستلاب التشريقي الذي أحدثته التنميات الزائفة.