فاتح عبد السلام

حدثت‭ ‬مراجعات‭ ‬فكرية‭ ‬داخل‭ ‬الحركات‭ ‬الاسلامية‭ ‬المتطرفة‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والأردن‭ ‬،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مقدار‭ ‬صلة‭ ‬الاجهزة‭ ‬الامنية‭ ‬العربية‭ ‬بهذه‭ ‬المراجعات‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬وسعة‭ ‬انتشارها،‭ ‬كون‭ ‬معظمها‭ ‬كان‭ ‬نتاج‭ ‬السجون‭ ‬،‭ ‬إلاّ‭ ‬إنها‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬العلامات‭ ‬المهمة‭ ‬في‭ ‬تحري‭ ‬الطريق‭ ‬الوسطي‭ ‬ونبذ‭ ‬العنف،لاسيما‭ ‬عند‭ ‬الشباب‭ ‬المندفع‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬شيوخ‭ ‬كبار‭ ‬يوهمون‭ ‬المستجدين‭ ‬بقناعت‭ ‬هم‭ ‬انفسهم‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬بها‭ .‬

‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬مرحلة‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬مدعو‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬سواها‭ ‬الى‭ ‬فتح‭ ‬كل‭ ‬الابواب‭ ‬للمراجعات‭ ‬الفكرية‭ ‬من‭ ‬العقول‭ ‬النيرة‭ ‬التي‭ ‬تفهم‭ ‬الاسلام‭ ‬بطريقة‭ ‬البناء‭ ‬واعمار‭ ‬النفوس‭ ‬والأمكنة‭ ‬وليس‭ ‬خرابها‭.‬

سمعت‭ ‬انه‭ ‬يجري‭ ‬القاء‭ ‬محاضرات‭ ‬على‭ ‬الاطفال‭ ‬الصغار‭ ‬الذين‭ ‬غرر‭ ‬بهم‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬بغية‭ ‬عسل‭ ‬ادمغتهم‭ ‬الغضة‭ ‬مما‭ ‬علق‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬التنظيم‭ ‬،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬أطلق‭ ‬عليهم‭ ‬اشبال‭ ‬الخلافة‭ ‬،‭ ‬وبعضهم‭ ‬ليس‭ ‬مسلماً‭ ‬في‭ ‬الاصل،‭ ‬كاليزيديين‭ ‬الذين‭ ‬صفّاهم‭ ‬التنظيم‭ ‬الارهابي‭ ‬وسبى‭ ‬نساءهم‭ ‬وأجبر‭ ‬أطفالهم‭ ‬على‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬انتحارية‭ ‬وعسكرية‭ ‬تحت‭ ‬ذلك‭ ‬الغسيل‭ ‬الجماعي‭ ‬للأدمغة‭ ‬،الذي‭ ‬يصاحبه‭ ‬الخوف‭ ‬والفزع‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬ينفذ‭ ‬الأوامر‭ . ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬المحاضرات‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬أولى‭ ‬وقصيرة‭ ‬غير‭ ‬كافية‭ ‬في‭ ‬استرداد‭ ‬هؤلاء‭ ‬الاطفال‭ ‬واعادة‭ ‬تأهيلهم‭ ‬وزجهم‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭. ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬خطط‭ ‬أكثر‭ ‬نجاعةً‭ ‬في‭ ‬حفظ‭ ‬المجتمع‭ ‬وتحصينه‭ ‬من‭ ‬آفات‭ ‬التطرف‭ ‬القابلة‭ ‬للتوالد‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ينقصم‭ ‬ظهر‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬نهائياً‭ ‬في‭ ‬العراق‭ . ‬التنظيم‭ ‬اشتغل‭ ‬على‭ ‬التخريب‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬ربما‭ ‬نحتاج‭ ‬زمناً‭ ‬يصل‭ ‬الى‭ ‬عشرة‭ ‬اضعافها‭ ‬للإصلاح‭. ‬والمسألة‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الاطفال‭ ‬وانما‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشباب‭ ‬لكلا‭ ‬الجنسين‭ ‬،‭ ‬كانوا‭ ‬فريسة‭ ‬محاضرات‭ ‬دينية‭ ‬مشبعة‭ ‬بأيديولوجيا‭ ‬التأسيس‭ ‬لانحراف‭ ‬فكري‭ ‬نحو‭ ‬العدمية‭ ‬والاقصاء‭ ‬والتكفير،‭ ‬طوال‭ ‬عقدين‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوامع‭ ‬وبأوقات‭ ‬خارج‭ ‬الصلوات‭ ‬،‭ ‬وعلى‭ ‬نحو‭ ‬غير‭ ‬مراقب‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬جهة‭ .‬

الاعلام‭ ‬غائب‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬عن‭ ‬مناقشة‭ ‬المراجعات‭ ‬الفكرية‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬جميع‭ ‬اللحى‭ ‬مقدسة‭ ‬بكل‭ ‬تصنيفاتها‭ ‬السياسية‭ ‬والمذهبية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بماجعل‭ ‬مسألة‭ ‬الفرز‭ ‬أمراً‭ ‬معقّداً‭ ‬وشاقّاً‭.‬

واهم‭ ‬مَن‭ ‬يظن‭ ‬أن‭ ‬المعالجات‭ ‬الأمنية‭ ‬والعسكرية‭ ‬وحدها‭ ‬تكفي‭ ‬لاجتثاث‭ ‬الارهاب‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬تسربه‭ ‬،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬يسودها‭ ‬الفقر‭ ‬والجهل‭ ‬وغياب‭ ‬خدمة‭ ‬العلم‭ ‬واحساس‭ ‬الشباب‭ ‬بالضياع‭ ‬وعدم‭ ‬الانتماء‭ ‬لأي‭ ‬شيء‭ .‬

نحتاج‭ ‬الى‭ ‬أطر‭ ‬اجتماعية‭ ‬كفيلة‭ ‬بالتحصين‭ ‬تصاحب‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬دراسته‭ ‬الابتدائية‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬،‭ ‬ولنبدأ‭ ‬من‭ ‬اشاعة‭ ‬حب‭ ‬المواهب‭ ‬وتنميتها،‭ ‬في‭ ‬الرسم‭ ‬والرياضة‭ ‬والموسيقى‭ ‬والكتابة‭ ‬والاختراعات‭ ‬والنزوع‭ ‬العلمي‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬نجعل‭ ‬الفراغات‭ ‬أكثر‭ ‬مساحة‭ ‬وهيمنة‭ ‬من‭ ‬الجزء‭ ‬المنتج‭ ‬والمليء‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬،‭ ‬فينتصر‭ ‬الفارغ‭ ‬على‭ ‬الملآن‭ .‬