سالم سالمين النعيمي

في ظل غياب حزمة القوانين الدولية التي تحد من ظواهر الهجمات الإلكترونية، وعدم نضوج واكتمال منظومة وثقافة الأمن السيبراني في العالم العربي، يتعرض الشرق الأوسط للهجمات الإلكترونية بصورة غير مسبوقة تتفوق على المتوسط العالمي، وقد تعرضت إحدى الدول الخليجية منفردة لعدد هائل من الهجمات والاختراقات الإلكترونية خلال عام 2016، وبما يقدر بنحو 60 مليون هجمة. وعادة ما تكون الهجمات ذات دوافع سياسية أو اقتصادية، وتستهدف القطاع الحكومي وشركات مؤسسات الطاقة والخدمات المصرفية، والخدمات والمواقع الحكومية والأنظمة الإلكترونية في منشآت إنتاج النفط والغاز، وبرمجيات التشغيل في البنوك الوطنية والأجنبية وقطاع البيع بالتجزئة على الإنترنت، والشركات العملاقة ومواقع التواصل الاجتماعي والقطاع الصحي وقطاع التعليم العالي وغيرها من القطاعات.

فالفضاء السيبراني هو المصطلح المستخدم لوصف الوسائط الإلكترونية للشبكات الرقمية المستخدمة لتخزين المعلومات وتعديلها والتواصل معها. وهي تشمل الإنترنت، ولكن أيضاً نظم المعلومات الأخرى التي تدعم الأعمال التجارية والبنية التحتية والخدمات، والفضاء الإلكتروني يقع في قلب المجتمع الحديث مما يعني أن وجود بيئة آمنة عبر الإنترنت أمر ضروري للحكومات التي توفر عدداً متزايداً من الخدمات عبر الإنترنت للمواطنين، وخطط التنمية لديها مربوطة بالتحول للخدمات الرقمية، وذلك مما يزيد من خطورة الموقف والتخوف من هجمات القراصنة الذين ترعاهم الدول. وقد تكون الحرب الباردة قد انتهت، ولكن الحرب السيبرانية في مراحلها الأولى، فكيف هو الحال في عالمنا العربي وخاصة أن الدولتين الأهم كمهدد مباشر وتاريخي لأمننا العربي لديهما يد السبق العليا في هذا المجال وتحظيان بسمعة عالمية في مجال الحرب الإلكترونية؟

فدولة كبرى مثل بريطانيا تتعرض لمعدل 60 هجمة الإلكترونية رئيسية أو كبيرة كل شهر، وبعضها يحاول بصورة مباشرة تقويض العملية الديمقراطية فضلًا عن الأمن القومي، ناهيك عن حملات الأخبار المزيفة والتضليل للتحكم في مخرجات الرأي العام والتلاعب غير المباشر بصناديق الاقتراع، وقد اتهمت مؤخراً أجهزة الاستخبارات الأميركية دولة عظمى منافسة بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. كما تستهدف الهجمات التي تقف خلفها الدول عادة مهاجمة الأهداف اللينة مثل الجمعيات الخيرية والمجالس المحلية ومراكز الإحصاء والبيانات الشخصية والجامعات ومراكز البحث العلمي بحثاً عن معلومات تستغل في الحروب التقليدية وغير التقليدية، أو الاستيلاء على الملكية الفكرية لبعض المنتجات وتطوير تكنولوجيا معينة، أو الوصول لاكتشاف أو سبق علمي محدد وقيمة مضافة يُحقق من خلالها كسب وربح مالي أو معنوي ما.

وفي عالمنا العربي يؤثر الأمن السيبراني على كل من القطاعين العام والخاص، ويغطي طائفة واسعة من القضايا المتعلقة بالأمن الوطني، سواء من خلال الإرهاب أو الجريمة أو التجسس الحكومي والتجاري والصناعي، وقد أصبحت الجريمة الإلكترونية سواء كانت تتعلق بالسرقة أو القرصنة أو الحرمان من الخدمة في النظم الحيوية، حقيقة من حقائق الحياة كما يشغل الإرهاب الإلكتروني حيزاً مهماً من تحديات المستقبل ومواجهة إرهاب المستقبل وهو إرهاب ممنهج سيستغل اعتمادنا المتزايد على الإنترنت لمهاجمة أو تعطيل الأنظمة الرئيسية. كما يمكن للجهات الفاعلة المعادية التي تجرى التجسس عبر الإنترنت أن تستهدف الحكومات والجيوش وقطاعات الأعمال والأفراد، فهي تستخدم شبكات الكمبيوتر، على سبيل المثال، لسرقة كميات كبيرة من البيانات الحساسة غير المكتشفة والبيانات الاستراتيجية المتعلقة بخطط الاندماج والاستحواذ الخاصة بالشركات أو تطوير سلاح معين أو معرفة تفاصيل مشروع أو استثمار أو ثغرات اتفاقية أو إجراءات ذات أبعاد على الأمن الوطني والقومي.

وينبغي النظر إلى التجسس السيبراني على أنه امتداد للتجسس التقليدي، وهو يشكل خطراً حقيقياً على الرفاه الاقتصادي والتنموي، ويعد تهديداً مباشراً للأمن الوطني لكل دولة عربية، وهو ما يؤكد الحاجة الماسة لتعزيز إجراءات الحماية، وربما يمثل الردع الإلكتروني خياراً حيوياً للعالم العربي بغرض دفع الخصوم إلى الشك في قدرتهم على شن أي هجوم وتحمل عواقبه، وإقناع المهاجمين بحتمية عجزهم عن النجاح أو الحاجة لبذل جهد خرافي يفوق استطاعتهم، مع وجود ردود قوية وتعقب فاعل لأي هجوم محتمل. ولضمان مواجهة أفضل للهجمات الإلكترونية والحد من فرص نجاحها، يجب تحسين الأمن الإلكتروني، وتوظيف وسائل دفاعية مؤثرة، والاتفاق على قواعد عربية مشتركة للفضاء الإلكتروني، وتعزيز الحماية الإلكترونية وتأسيس مركز عربي مشترك للردع السيبراني، وضرورة الاستثمار الأمثل في تحقيق الأمن الإلكتروني، فاستثمارات العالم لمواجهة التهديدات والقرصنة الإلكترونية تجاوزت 2.3 تريليون دولار العام الماضي فقط.