حسين شبكشي

في عالم الصحافة الأميركية هناك عملاقان لا يمكن تجاهلهما، هما «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست». الأولى معروفة بثقلها وخبطاتها الصحافية المتنوعة، ولكن «واشنطن بوست» دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بأم الخبطات الصحافية. كيف لا وهي التي كشفت عن فضيحة «ووترغيت» للرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، وأدت إلى إسقاطه وخروجه من الرئاسة. وصنعت من رئيس التحرير بن برادلي والصحافيين كارل بيرنستين وبوب وودوارد نجوماً فوق العادة بامتياز.


«نيويورك تايمز» تقليدياً عُرفت بأنها «صوت» وزارة الخارجية الأميركية، و«واشنطن بوست» عُرفت بأنها «صوت» وزارة الدفاع الأميركية. وصفحات الرأي وكتابهما فيها أهم من الصفحات الإخبارية بمراحل. وفي «نيويورك تايمز» هناك نجمها في صفحات الرأي، الكاتب المعروف توماس فريدمان. وفي «واشنطن بوست» هناك ديفيد إغناتيوس، وهو لا يقل أهمية ولا ثقلاً عن الأول، ومقاله وعموده في غاية الأهمية، وله مؤلفات وروايات دوماً ما يتم تصنيفها ضمن القوائم الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة.
تربطني بالكاتبين معرفة قديمة، بل وتربطني صداقة مع ديفيد إغناتيوس، وشاركت معه في مدونة «واشنطن بوست» بعد أن اختارني الكاتب العربي الوحيد فيها (أكتب هذه المعلومات كنوع من الإفصاح، حتى أكون موضوعياً في كلماتي التالية).
سعدت جداً باللقاء الذي أجراه مع ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والأريحية التي كان عليها اللقاء وتمكنه من الحصول على تعليقات وتصريحات غير مسبوقة، توضح الاتجاه الجديد للسعودية الجديدة. ولست أبالغ هنا في مقولة إن هذا الحوار مع الأمير، كان الأوضح والأجرأ والأهم في تحليل ووصف الاتجاه الذي تتوجه إليه السعودية. فمن الواضح أن الأمير يخاطب الداخل والخارج؛ الداخل متمثلاً في شريحة جيل الشباب، والذي يشكل أكثر من 60 في المائة من نسبة سكان البلاد، والخارج لطمأنة المجتمع الدولي بأن السعودية عازمة الأمر على أن تكون عضواً متكاملاً في مجتمع الإنسانية، ولن تكون كوريا شمالية أخرى تعيش في قوقعة أو في كوكب وحدها، منعزلة عن العالم تحت شعارات واهية. أوضح الأمير أن السعودية مقبلة على مرحلة قطيعة أبدية مع أسباب التشدد والتعصب، وانفتاح على ثقافات وحضارات العالم. وكذلك الأمر، سيكون هناك انفتاح مهم على الفرص الاقتصادية «الجديدة» بمختلف أشكالها.
هناك مصارحة عن التحديات في مجالي الإسكان والبطالة، واستدلال برضا الشريحة الأهم من الناس بنسبة تتجاوز السبعين في المائة عن توجه الدولة الجديد تحت مسمى «الرؤية 2030». وأكد في كلمة لافتة أن السعودية «لا ترغب في أن تضيع حياتها في دوامة مثل الثلاثين عاماً الماضية» وهو وصف دقيق عن الوقت الذي أُهدر في جدل بيزنطي على قضايا ومسائل عقيمة، حكم فيها رأي التطرف وأوجد حالة من التشدد فريدة من نوعها في العالم الإسلامي، ساهمت بشكل مباشر في تأخير وتعطيل الحراك والتنمية الاجتماعية السوية والعادلة.
هناك رغبة جادة في التغيير والأحلام في السعودية، كما بيّن حديث الأمير مع صحيفة «واشنطن بوست»؛ طموح غير مسبوق، وخريطة طريق فريدة للطموحات والأهداف، والتوجه بقوة نحو القرارات «المطلوبة»، حتى وإن كانت مؤلمة، وليس نحو القرارات «الشعبوية» حتى وإن كانت خاطئة. وهناك فارق كبير بين التوجهين ولا شك.
تلقيت أكثر من اتصال هاتفي من بعض الإعلاميين الغربيين، لسؤالي عن ردود الفعل لحديث الأمير مع «واشنطن بوست»، ومدى جدية ما قاله، قلت لهم: تعالوا إلى السعودية وستشاهدون بأنفسكم دلائل وجدية ما صرح به الأمير. السعودية تتغير قولاً وفعلاً.. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .