عبدالله بن بجاد العتيبي

تشعر المملكة العربية السعودية بألمٍ شديدٍ جرّاء عملياتها العسكرية في اليمن، ألمٍ لا تشعر به المؤسسات الدولية التي تزعم اهتمامها بحقوق الإنسان، أو المؤسسات الإعلامية الغربية التي تريد خلق قضايا إعلامية للترويج وكسب المتابعين ومجاملة الجماهير.


جزء من المسؤولية يقع على تلك الجمعيات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية الكبرى، وجزء منه يقع علينا في بناء خطوط التواصل مع هذه الجمعيات والمؤسسات وتسهيل سبل الوصول إلى المعلومات والحقائق للمشاركة في بناء رؤية أكثر تماسكاً تجاه ما يجري هناك على الأرض ونقل معاناة الشعب اليمني اليومية مع ميليشيا الحوثي الخمينية وأتباع المخلوع صالح.
أخيراً، نطقت منظمة «هيومن رايتس ووتش» وبحسب هذه الصحيفة، فقد أدانت صراحة ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح باستخدام الألغام الفردية وارتكاب جرائم حربٍ، كما اتهمتهما بتعطيل الحياة المدنية وإعاقة العودة الآمنة للنازحين من المواطنين اليمنيين، وما ذكرته المنظمة ما هو إلا غيضٌ من فيضٍ، ولو اقتربت تلك الجمعيات والمؤسسات أكثر من المشهد اليمني لكان بإمكانها اكتشاف حجم الجرائم اليومية التي ترتكب بحق الشعب اليمني.
تزامن هذا مع الزيارة التي قام بها الأسبوع الماضي وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للمنطقة والتي ابتدأها بزيارة الرياض، وقد أطلق من هناك تصريحاتٍ مهمة توضح الفهم العميق للإدارة الأميركية للأدوار التخريبية والإرهابية لإيران في المنطقة والعالم، وهو ما عززته تصريحات وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون من واشنطن بنفس الاتجاه وذات الوضوح، وفي هذا السياق فقد صرّح ماتيس بعد لقائه خادم الحرمين الشريفين قائلاً بأنه: «من المهم أن نتحرك الآن لتعزيز مقاومة المملكة العربية السعودية للعمل التخريبي الذي تقوم به إيران، من خلال جعل الجيش السعودي أكثر فاعلية في إطار عملنا كشركاء. من مصلحتنا أن نرى السعودية دولة قوية من الناحيتين العسكرية والأمنية».
وبعد يومٍ واحدٍ خرجت سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى مجلس الأمن نيكي هايلي واصفة إيران بأنها «السبب الرئيسي للنزاعات في الشرق الأوسط، متوعدة بالعمل مع شركاء واشنطن لمطالبة إيران بالالتزام بقرارات الأمم المتحدة»، وتحدثت عن دعم إيران لرئيس النظام السوري بشار الأسد وإمدادها الحوثيين في اليمن بالأسلحة، وتدريبها ميليشيات شيعية في العراق، ودعم حزب الله في لبنان، واصفة تلك النشاطات بالمزعزعة للاستقرار، بحسب ما نشرته «العربية نت».
ما تقوله هذه الأحداث المتتابعة أننا أمام عودة حميدة للولايات المتحدة الأميركية للوعي بنفسها وبمصالحها ومصالح حلفائها بعد سنوات الانعزال الأوبامي، وها هي إدارة الرئيس ترمب تطبق عملياً ما صرحت به من قبل.
إطلاق النار في جادة الشانزليزيه في قلب باريس النابض ليلة الجمعة الماضي هو تأكيدٌ لما بات يتكرر بانتظام من عمليات إرهابية غادرة في أكثر من مكانٍ في العالم تزامنت مع التغير الكبير في السياسة الأميركية تجاه أزمات المنطقة التي تديرها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وإعلانها عن مواجهة مفتوحة مع حركات وتنظيمات الإرهاب التي تدعمها إيران ويدعمها تنظيم الإخوان المسلمين، فالأحداث تقول بوجود نشاطٍ إرهابي متصاعد.
ولكن لماذا ينشط الإرهاب في هذا الوقت؟ هناك عدة عوامل دفعت باتجاه هذا النشاط الإرهابي؛ أولها، خسائر تنظيمات الإرهاب المتتابعة في مواقع نفوذها في العراق وسوريا واليمن، وكذلك قراءة الدول الداعمة له بأنها ستخسر الكثير من نفوذها الذي لطالما خوّفت به أوباما وأجبرته على تقديم تنازلاتٍ مريرة والقبول بالهزيمة والشعور بالخوف، ومعرفتها بأن الرئيس ترمب مختلفٌ تماماً عن سابقه.
الاختلاف ليس فقط في الموضوع الإرهابي، بل لقد خضع أوباما للسلاح الكيماوي السوري، وخضع للسلاح النووي الإيراني، وكان خائفاً من السلاح النووي الكوري الشمالي، والرئيس ترمب غير قابلٍ لأي خضوعٍ لهذه الأسلحة بأي شكلٍ من الأشكال، بل هو يسعى لإعادة الأمن والاستقرار للعالم.
والسؤال الأهم في هذا السياق هو: هل يمكن أن يصل السلاح الكيماوي للمتطرفين والإرهابيين؟ والجواب هو نعم للأسف، يمكن لنظام الأسد أو النظام الإيراني تسريب شيء من هذه الأسلحة لتنظيم داعش، ويمكن لإيران عبر شبكات تهريب السلاح والمخدرات الدولية التي تديرها أن تضمن وصول هذا السلاح الخطير لأميركا والدول الأوروبية.
للتذكير، فقبل سنواتٍ وحين انتشار ظاهرة «الإرهاب المعولم» مع تنظيم القاعدة خرج الإخواني الكويتي المعروف عبد الله النفيسي المقرب من تنظيم القاعدة حينها في محاضرة عامة وهو يتحدث في تحليلٍ يشبه التوجيه عن إمكانية نقل مادة «الإنثراكس» من المكسيك إلى لوس أنجليس ووضعها في خزانات المياه، ما يعني أن التفكير الإرهابي الغادر لا حدود له، وأن مواجهة التطرف يجب أن تكون مهمة العالم أجمع الأولى في المرحلة المقبلة.
السؤال الأهم هو مع هذه الخطورة الشديدة للإرهاب والتطرف فهل يجب أن نخضع لابتزاز الإرهاب دفعاً لشرورهم كما كانت سياسة أوباما أم أن الخيار الذي لا ينبغي لأحدٍ التهاون فيه هو مواجهته وإعلان الحرب عليه بكل ما يقتضيه ذلك من حزمٍ وقوة؟ والجواب واضحٌ وبينٌ، فأي خضوعٍ له يعني توسعه وانتشاره، والحرب معه يجب أن تكون حرباً باتساع العالم وبكل قوة وعزمٍ وحزمٍ.
يأتي حادث إطلاق النار في الشانزليزيه اتساقاً مع نشاط الإرهاب مؤخراً، تفجيرات السويد، تفجيرات سان بطرسبرغ، وتفجيرات كنيستي طنطا والإسكندرية، وإطلاق النار في لندن بجوار البرلمان، والتهديد الأمني الذي كان في مرسيليا قبل أيام، وكل ذلك يصب في تأكيد نشاط الإرهاب مؤخراً.
نشاط الإرهاب في هذا السياق لا يعني خموله سابقاً بل يعني تصاعد وتيرته وتزايد عملياته، وهو ما يجب أن نتعايش معه لفترة ليست بالقصيرة بالقضاء على ظاهرة بهذا الحجم لم تزل تتوسع وتتزايد على مدى عقودٍ لا يمكن أن يتم في سنواتٍ معدودة فحسب ولكن يجب أن يتم ذلك بأسرع وقتٍ وبتخطيط متكاملٍ وعملٍ دولي شاملٍ.
أخيراً، فأميركا العائدة إلى المشهد الدولي ستجد أمامها حليفاً قوياً لم ينتظر ثماني سنواتٍ لتعود أميركا إلى رشدها، بل لقد بادرت السعودية بالمشاركة في التحالف الدولي ضد «داعش»، كما أنشأت بنفسها تحالفين كبيرين لمحاربته؛ الأول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن والذي يضم اثنتي عشرة دولة وتدعمه الكثير من الدول حول العالم، والثاني تحالف الدول المسلمة لمحاربة الإرهاب، وهما يمثلان نموذجين يمكن الاحتذاء بهما في خلق حلول فاعلة لمواجهة التطرف والإرهاب.