مشاري الذايدي

السعودية تجدّد شبابها، لعل هذا النعت هو الأقرب لوصف القرارات الملكية الأخيرة، قبل يومين.
تعيينات لثلة من شباب الأسرة الملكية في مواقع قيادية، نواب لإمارات المناطق الكبيرة، أي المحافظات حسب التسمية الإدارية لدول أخرى.
شباب جلهم في بداية العقد الثالث من عمرهم، يلجون اليوم حلبة الإدارة والسياسة المحلية، في أعظم تمرين حقيقي على فنون الحكم وتدبير الشأن العام.
المؤسس الملك عبد العزيز حين دشّن ملحمة التوحيد عند سور الرياض كان في آخر العشرينات من عمره.
ثمة قرارات أخرى، تلك الليلة الكبيرة، منها ما يتعلق بالأمن، إنشاء مركز جديد للأمن الوطني، واستحداث منصب «مستشار الأمن الوطني» وقرارات أخرى بالاقتصاد والرياضة والثقافة والإعلام، وغير ذاك.
من السوابق أيضا، عزل وزير، وتحويله للتحقيق معه بشبهة فساد، وتلك سابقة عظمى في تاريخ الإدارة السعودية، بصرف النظر عن براءة أو إدانة المسؤول المُقال.
أرجع لمسألة ولوج الشباب لحلقة القرار والإدارة، في تقديري أن هذا «التحول» هو الأهمّ، ذلك أنه استثمار استراتيجي في المستقبل البعيد، وقد ينجح كل هؤلاء الشباب أو جلّهم، أو نصفهم، في التجربة، وهذا أمر عادي، لكن من الملحّ جداً البداية بهذا المسار.
في حوار ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، عرّاب هذه الطاقة «القتالية» مع الصحافي الأميركي الشهير، ديفيد إغناتيوس، ووصف الطاقة القتالية منه، قال الأمير محمد، وهي بنظري أهم فقرة في الحوار:
«أنا شاب، وسبعون في المائة من مواطنينا هم من الشباب. نحن لا نريد أن نضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال الـ30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، التي سببت التطرف والإرهاب».
يزيد الأمير الحيوي الأمر وضوحاً فيقول: «نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن. نحن نريد - كما يريد الشعب السعودي - الاستمتاع بالأيام القادمة، والتركيز على تطوير مجتمعنا، وتطوير أنفسنا كأفراد وأُسر، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا. نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979».
الحديث جليّ، وهو عن تدشين فصل جديد من فصول التاريخ السعودي، فصل يقوده حب الحياة، والرغبة فيها، والاستثمار فيها، بعزم وقوة وعلم وثقة وحيوية.
لا مكان للكآبة، ولا عشاق الكآبة، ولا حراسها، المكان فقط لمن يحب لبلده ومجتمعه أن يكون له طموح يعانق «حدود السماء» كما قال محمد بن سلمان.
أما المكوث في شباك الانغلاق والتوجس والتوتر وأوهام العقود الأخيرة، والتخويف من الانفتاح وخرافة «الغزو الفكري» المتضخمة، فقد «ولى زمان تلك الحقبة».