هل ستتخلى روسيا عن الأسد حتى لا تتكرر المأساة الأفغانية؟

 صالح القلاب

المفترض ألا يكون مستغرباً كل هذا التداخل التنظيمي و«العقائدي» بين تنظيم «القاعدة» وبين ما يسمى «الدولة الإسلامية»، الذي بات يعرف بـ«داعش»، وأن يظهر التنظيم الأول في أفغانستان في كنف حركة «طالبان» وحمايتها، بينما ظهر التنظيم الثاني في سوريا قبل أن ينتقل إلى العراق،

وحيث غدا منتشراً في المنطقة العربية كلها وفي العالم أسره، وهنا وإذْ إنه من غير الممكن الجزم حول كيف بدأ هذا التنظيم الإرهابي، وما الجهة أو الجهات التي وقفت وراء إنشائه، واستمرت بدعمه ورعايته إلى أن أصبح بكل هذا الحجم وكل هذا الانتشار الكوني، لكن المؤكد أنه بالإمكان الاتفاق على أن نظام بشار الأسد هو أكثر الذين استفادوا وما زالوا يستفيدون منه ومن ظهوره في الفترة الزمنية التي ظهر فيها، وأن الإيرانيين والروس يشاركون الرئيس السوري في هذه الاستفادة!
ربما أن كثيرين لا يعرفون أن «القاعدة»، التي أسسها أسامة بن لادن في الفترة بين أواخر عام 1988 وأوائل عام 1990 في قندهار في أفغانستان، قد أخذت هذا الاسم من التجربة القتالية الفلسطينية، حيث كانت أماكن تمركز التنظيمات الفدائية في غور ولاحقاً في الجنوب اللبناني تسمى «قواعد»... أي مراكز.
والمهم هنا هو «الشبه» الذي وصل أقصى حدود التطابق بين التجربة الأفغانية بعد التدخل العسكري السوفياتي في أفغانستان في عام 1979، والتدخل الروسي في سوريا في عام 2015، فالتدخل الأول الذي تم في عهد ليونيد بريجنيف، قد جاء في ذروة الحرب الباردة وصراع المعسكرات وللحفاظ على حكم الرئيس بابراك كارمال زعيم جناح «برشام» في حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني الذي كان يعتبر الأكثر يسارية و«ماركسية»، بينما جاء التدخل الثاني كبداية لعودة هذه الحرب التي بالإمكان القول إنها قد عادت فعلاً بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وبعد الضربة الجوية التي وجهها الأميركيون لمطار «الشعيرات» السوري، وأيضاً بعد استعراض القوة الأخيرة بين موسكو وواشنطن الذي اتخذ طابع «أبو كل القنابل» الروسية، مقابل «أم القنابل» الأميركية.
كان السوفيات، عندما أرسلوا جيوشهم إلى أفغانستان في عام 1979، يخشون من أن هزيمة حلفائهم في كابل، الجناح اليساري في حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني بزعامة بابراك كارمال، ستستدرج «القاعدة» والتنظيمات الإسلامية المتطرفة الأخرى، ومن بينها «طالبان»، التي كانت لا تزال في بدايات تكوينها، إلى الجمهوريات الإسلامية المجاورة وإلى «التكوينات» السياسية في الشيشان وداغستان، وأيضاً الكتل السكانية الإسلامية في الكثير من المناطق السوفياتية.
وحقيقة أن استهداف الاتحاد السوفياتي من قبل الولايات المتحدة والغرب قد بدأ حتى قبل انقلاب الجنرال محمد داود خان في عام 1975 على ابن عمه الملك ظاهر شاه، وأن آلاف «الكتاتيب الجهادية» قد ظهرت مبكراً في باكستان وبالطبع في أفغانستان... ويبدو أنه حتى إسقاط نظام الملك ظاهر شاه وانقلاب حزب الشعب الديمقراطي بقيادة نوري محمد طرقي الذي أسقطه حفيظ الله أمين، وحيث أسقط بابراك هذا الأخير قد جاء من قبيل قطع الطريق على هذه «الكتاتيب الجهادية» والتشكيلات المتطرفة الأخرى، ومنعها من السيطرة على الدولة الأفغانية التي كانت السيطرة عليها تعني فتح الطرق أمامهم وأمام دعواتهم وأفكارهم إلى الجمهوريات الإسلامية.
لم يرتكب بابراك كارمال جرائم ضد الشعب الأفغاني كالجرائم التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها بشار الأسد ضد الشعب السوري، ولكن لأنه لم يعد مقبولاً ولا يمكن استمرار وجوده على رأس الدولة فقد كانت هناك «التسوية» التي تم الاتفاق عليها بين السوفيات وبين فصائل «الثورة»، ممثلة أساساً ببرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وبإحلال محمد نجيب الله، الذي مع أنه بقي رئيساً لجهاز المخابرات لفترة تعتبر طويلة فإنه كان معروفاً بعدم تشدده وبعدم دمويته، محل الرئيس السابق؛ ويقيناً أن هذا الرجل لو أنه أعطي الفرصة الكافية لتطبيق توجهاته التصالحية والإصلاحية، لما دخل هذا البلد في النفق المظلم الذي دخل فيه، ولما أصبح «بؤرة» إرهابية تمثلت تحديداً وبالدرجة الأولى بالتحالف «الشيطاني» الذي لا يزال متواصلاً ومستمراً بين «القاعدة» وطالبان.
كان يجب أن يقدم السوفيات على هذه الخطوة الآنفة الذكر قبل أن تصبح «طالبان» القوة الرئيسية في أفغانستان، وهذا الدرس يجب أن يفهمه الروس الذين يبدو أنهم ما زالوا يراهنون على أن «صلاحية» بشار الأسد ستستمر لفترة أطول مما جاء في خطة «المرحلة الانتقالية»، مما يعني أنه إذا بقيت الأمور تسير في الاتجاه التي تسير فيه الآن، فإنَّ التجربة الأفغانية سوف تتكرر في سوريا، وأنَّ تنظيم «النصرة» أو أي تنظيم مماثل آخر سيأخذ دور «طالبان» في أفغانستان؛ مما يعني أيضاً أنَّ هذا البلد العربي سيصبح بدوره بؤرة إرهابية ثانية، وأن من سيدفع الثمن بالأساس هو روسيا الاتحادية التي ستضطر بالنتيجة، ومرغمة، إلى إنهاء وجودها العسكري في كل الأراضي السورية، والانسحاب «كيفياً» كما انسحبت القوات السوفياتية، لا تلوي على شيء، ومرة واحدة، وإلى الأبد من الأراضي الأفغانية.
والمفترض أن الروس بخبرتهم الطويلة - حيث إن وجود الاتحاد السوفياتي في سوريا الذي ورثه فلاديمير بوتين وورثته روسيا الاتحادية، قد بدأ في عام 1949 بعد انقلاب حسني الزعيم مباشرة - يعرفون بل هم متأكدون أن بشار الأسد لم يعد مقبولاً حتى من قبل الطائفة العلوية نفسها، وأن بقاءه سيعقد الأمور أكثر مما هي عليه الآن من تعقيد وتداخل شديد... وهكذا فإن البديل - في ظل هذه الفوضى العارمة، وفي ظل كل هذا الوجود الإيراني الذي أصبح وجوداً استيطانياً، وأيضاً في ظل كل هذا الصراع الكوني على هذا البلد العربي - سيكون حركة «طالبان» ثانية، وسيكون تجذّر الإرهاب في هذه المنطقة كلها التي ستبقى منطقة مصالح حيوية للدولة الروسية وللولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً للدول الكبرى كلها بما فيها الصين الشعبية.
ثم وحتى لو أن لعبة «التقسيم»، التي يلعبها بشار الأسد، بدعم إيراني وبرعاية روسية، قد نجحت وتجسدت على الأرض... على أرض ما أطلق عليه هؤلاء اسم «سوريا المفيدة»، فإن المؤكد أن هذه المواجهات المحتدمة الآن في شرق المتوسط ستصبح حروباً إقليمية مدمرة قد تتواصل لعشرات الأعوام، وقد تمتد إلى القرم وأوكرانيا والشيشان وداغستان، وأيضاً إلى بعض دول أوروبا الشرقية. ويقيناً أنّ هذا إن هو حصل، ونسأل الله ألا يحصل، فإنه سيأخذ هيئة حرب عالمية كونية ستكون هي الحرب العالمية الثالثة.
وهكذا وفي النهاية، ورغم كل هذا الذي يجري في سوريا وفي المنطقة كلها، فإنه بالإمكان الخروج من هذه «الورطة» التي أصبحت بمثابة عقدة دولية بالإسراع بتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي «2254»، وبالتالي الإسراع مباشرة بتطبيق المرحلة الانتقالية، وبحيث يكون هناك البديل الفوري لبشار الأسد على رأس هيئة الحكم الجديدة المنشودة التي يجب أن تكون عملياً حكومة وحدة وطنية على رأسها شخص بمواصفات محمد نجيب الله في أفغانستان، وبمشاركة عدد من رموز هذا النظام من غير من تلطخت أيديهم بالدماء السورية.