سمير عطا الله 

توفي فيلسوف بريطانيا برتراند راسل عن 98 سنة العام 1970. وقبل وفاته بيومين، تعرضت مصر لواحد من تلك الاعتداءات الجوية التي كانت ترتكبها إسرائيل. وكان آخر شيء أملاه راسل على سكرتيره، التالي:

«لا بد من استنكار العدوان الذي ارتكبته إسرائيل، ليس فقط لأنه لا يحق لأي دولة أن تضم إليها أرضاً ليست لها، بل أيضا لأن كل توسع هو امتحان للعالم أجمع في مدى تحمّله لعدوان جديد... يقال لنا غالباً إنه يجب أن نتعاطف مع إسرائيل بسبب المعاناة التي تعرض لها اليهود في أوروبا على أيدي النازيين. لكنني لا أرى في ذلك ذريعة لإدامة أي معاناة أخرى. إن ما تفعله إسرائيل اليوم لا يمكن القبول به، وأن نستذكر فظاعات الماضي من أجل تبرير فظاعات الحاضر، لهو لؤم شديد».
يتضايق الإسرائيليون من تشبيه أعمالهم بالسلوك النازي. لكن لا بد من مقارنة كل مرحلة بمرحلة تاريخية ما. ونترك لهم اختيارها. إذا لم تكن معاملة الأسرى نازية، فماذا هي؟ وإذا لم تكن سياسة المستعمرات نازية، فماذا يمكن أن تكون؟ وإذا لم يكن رفض نتنياهو لكل مبادرة سياسية، بما فيها الآتي من واشنطن، سلوكاً نازياً، فماذا يمكن أن يكون؟
منذ 1967 إلى اليوم، تمارس إسرائيل سياسة احتلالية لا تحيد عنها. سياسة لها كل مظاهر ومعاني وانعكاسات الاحتلال. وتعامل الفلسطينيين في السجون، وفي الضفة، وفي أراضي 48، كقوة احتلال. ومنذ مقتل إسحاق رابين ومجيء نتنياهو لم يعد هذا يلتفت، أو يصغي، إلى أي مبادرة دولية، وخصوصاً أميركية، لعقد أي نوع من التفاوض.
والعالم، طبعاً، ملهي، ذريعته أنهار الدماء في سوريا والعراق. والمفجع أن الأصوات القليلة التي لا تزال ترتفع مذكرة بالظلم اللاحق بالفلسطينيين، هي أصوات إسرائيلية تقرأها في صحف تل أبيب، بكل جرأة، خصوصاً في «هآرتس». وما عدا ذلك، فقد غاب ذلك الحماس الدولي الذي تجمّع حول القضية الفلسطينية، مخترقاً للمرة الأولى، أسطورة النفوذ الإعلامي الإسرائيلي حول العالم. ويبقى الغائب الأكبر في هذه اللحظات، صوت الدفع العربي، التائه بين تفكك العرب وتشتت الفلسطينيين، الشتات الأكبر. وإلا ماذا نسمي النزاع بين غزة ورام الله، وكلاهما يتحدث عن القدس؟. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .