فهمي هويدي

لأنها كانت جادة وصريحة، فإن المناقشات التي أجرتها لجنة الكونجرس لموضوع المعونة الأمريكية لمصر بدت أمرا مثيرا ومدهشا. أغلب الظن لأن تجاربنا علمتنا ألا نأخذ المناقشات البرلمانية على محمل الجد، وصرنا نعتبرها من قبيل الهرج السياسي، الذي تطلق حلقاته في الفضاء المصري بين الحين والآخر. ومن المفارقات ذات الدلالة أن الهرج الذي نمارسه يتم في جلسات مغلقة نسمع بها ولا نراها. في حين أن مناقشات الكونجرس العميقة تذاع على الهواء، بحيث يتابع الناس كل وقائعها ويصبحون بمضي الوقت جزءا من حواراتها.

أتحدث عن جلسة الاستماع التي عقدتها إحدى لجان مجلس الشيوخ وجرى بثها يوم الثلاثاء الماضي (??/?)، وتحدث فيها ثلاثة من خبراء الشأن المصري، وناقشهم في المعلومات والأفكار التي عرضوها بقية الأعضاء. كان موضوع المناقشة الأساسي هو جدوى المعونة وحدودها وإلى أي مدى تخدم المصالح الأمريكية وتسهم في استقرار مصر والمنطقة المحيطة. ولكي يوضع أعضاء اللجنة في الصورة، فإن المتحدثين الثلاثة قدموا عرضا مفصلا للأوضاع في مصر، حيث يفترض أن تشكل المعونة (?.? بليون دولار) إسهاما أمريكيا في استقرارها وتحسينها. وهو ما تحرص عليه الولايات المتحدة وترى فيه مصلحة لها.

حين تابعت مناقشات الجلسة على موقع الكونجرس، لفت نظري أمران، أولهما غزارة ووفرة المعلومات لدى المتحدثين الثلاثة عن مختلف الأوضاع الداخلية في مصر. وثانيهما أن تقييم المتحدثين على جملته كان سلبيا ومعبرا عن القلق وعدم الاطمئنان إلى المستقبل في الأجل المنظور. الخبراء الثلاثة الذين تحدثوا هم: توم ميلونيسكي مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإيليوت إبراهام الخبير في الأمن القومي الذي عمل مع إدارة الرئيس بوش، وميشيل دن الدبلوماسية السابقة وخبيرة الشؤون العربية. في مقدمة الملاحظات التي أبدوها ما يلي:

< أن المعونة كانت تقدم لمصر حين كان لها دورها المؤثر في العالم العربي، لذلك كان الحفاظ على استقرارها مهما للحفاظ على المصالح الأمريكية. ولأن ذلك الدور تراجع، فإن إعادة النظر في حجم المعونة يصبح مبررا، كما أنها لم تعد مهمة للحفاظ على العلاقات المصرية الإسرائيلية التي أصبحت الآن قوية بحيث ما عاد واردا أن يؤثر فيها تخفيض المعونة أو حتى قطعها.

< أن إسرائيل سعيدة بالدور الذي تقوم به مصر في الضغط على حماس، كما أنها تتعاون مع مصر في موضوع مكافحة الإرهاب بسيناء.

< شدد المتحدثون على موضوع القيود على الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر. وقال توم ميلونيسكي إنه طاف العالم بحكم عمله في الموضوع، ووجد أن مصر من أصعب الدول أثناء التفاوض في الموضوع، لأنها تحرص دائما على التغطية على مشاكلها وممارساتها رغم وجود ?? ألف شخص في السجون والمعتقلات المصرية.

< تطرقت المناقشات إلى السياسات الداخلية، وقالوا إنها تساعد على الإرهاب ولا تكافحه. وذكروا في هذا الصدد أن فكرة تصنيف الإخوان جماعة إرهابية غير صائبة وتعد انتصارا لداعش، خصوصا أن المعايير الأمريكية للإرهاب لا تنطبق على الإخوان.

< تطرقت المناقشات أيضا إلى موضوع المساعدات الخليجية لمصر وأوجه إنفاقها، وتساءل أحد المتحدثين: هل مصر بحاجة إلى دبابات أم إلى مدارس، وكان ذلك في سياق انتقاد أولويات مشروعات السلطة المصرية.

< احتل موضوع سيناء حيزا معتبرا في المناقشة. وفي هذا الصدد ذكر أن الولايات المتحدة تراقب ما يجري هناك ضمن تتبعها لتمدد الأنشطة الإرهابية. وقيل إن السلطات الأمريكية عرضت على المصريين اقتراحا بإرسال وفد لتحري الوضع على الطبيعة، لكن القاهرة لم تتحمس للفكرة.

< أثيرت أيضا مسألة حروب الجيل الرابع التي تم تداولها في مصر، واعتبر بعض المتحدثين أنها فكرة تحرض ضد الولايات المتحدة والدول الغربية وتتهمها بالتآمر على مصر، في الوقت الذي تقف فيه واشنطن إلى جوار مصر.

الشاهد أن أعضاء الكونجرس الذين اشتركوا في المناقشة لم يكونوا معارضين لمصر رغم انتقادهم لنظامها. وإنما أرادوا أن يطمئنوا إلى أن المساعدات التي تقدمها بلادهم لمصر تنفق في الاتجاه الصحيح الذي يخدم الاستقرار، وتوظف في خدمة النهوض بالمجتمع والدفاع عن الديمقراطية وقيمها.

ليتنا نعرض شريط الجلسة على شاشة إحدى قنواتنا التلفزيونية، لكي يدرك المصريون كيف يرى واقعهم من الخارج. أما إذا تعذر ذلك للأسباب التي نعرفها، فليتنا نتيح لأعضاء مجلس النواب أن يشاهدوه لكي يتعلموا منه كيف يكون الدعم الحقيقي لمصر.