سمير عطا الله 

في تلك الفترة كانت الصحافة المصرية في عزلة، والصحافة اللبنانية في الحرب، وكانت الصحافة الكويتية تستقطب الكتّاب والقراء العرب، على السواء. وأحد الكبار الذين استقطبتهم كان أحمد بهاء الدين، رئيساً لتحرير «العربي». ترك بهاء رئاسة تحرير «الأهرام» لكي يبتعد عن الصراع الداخلي في مصر.

وعرض عليه الشيخ صباح الأحمد المجيء إلى الكويت، وتولي مسؤولية «العربي»، باعتباره موقعاً غير سياسي، ولا يشكل تحدياً لأحد. فقد كانت الكويت، مثل عدد كبير من الدول العربية، واقعة بين أمرين: الوقوف مع بقية العرب من السادات، وعدم الرضا على وزر مصر كلها بوزره.
كان هناك أمر آخر لم يكن ممكناً أن تلفت إليه في ذلك الصخب. فإذا كان هنري كيسنجر هو الذي نجح فعلاً في فك مصر عن سائر العرب، فإن العرب أكملوا خطته بأبعد بكثير مما كان يتوقعه عدو، أو يخافه صديق. بل بدا وكأنما بعض العرب كان ينتظر، منذ زمن، وقوع أي تصدّع في العلاقة مع القاهرة، كي تقبل على هدم الجدار.
على صعيد الصداقات الشخصية، لم أواجه أي حرج. أحمد بهاء الدين، ومحمد حسنين هيكل، ولطفي الخولي (حتى ذلك الوقت) كانوا مع مصر ودون الخروج من العربة. وفي حين انسحب بهاء على طريقته إلى الكويت، حكم السادات على هيكل والخولي بالسجن. دخله الأول، وبقي الخولي بعيداً في أوروبا، مقيماً علاقة خاصة مع أبو عمار، الذي كان معاديا للسادات، فلما تغير عرفات، تغير معه لطفي. وأصبحت له، وهو الشيوعي القديم، رؤية جديدة لحل الصراع. ومثل الصحافيين الذين لم يعرفوا أين يتوقفون بين دور الكاتب ودور الشريك في الحدث، ذهب لطفي بعيداً.
كان لطفي الخولي، مثل معظم رجال النخبة، مجموعة متناقضات فكرية: شيوعي، وضخم السيجار. بروليتاري وشديد الأناقة. «ابن بلد» وغربي الملامح. صحافي مكثار ولكن يعتبر نفسه ذا مهمّة سياسية وقومية تتجاوز العمل الصحافي.
وبسبب دماثة شخصيته، كان من أوائل العائدين بعد وصول الرئيس مبارك. ولم يعطَ منصباً مباشراً في «الأهرام»، لكنه كان مفوضاً على نحو ما، ومن هذا الموقع، عرض علي في لندن أن أكتب مقالين أسبوعيين «للأهرام»، بدل أن أكون «ضيفاً» بمقال واحد. وشعرت أن العرض شخصي وودي أكثر مما هو مهني. وقلت له: ليس هناك صحافي عربي لم يحلم بالكتابة في «الأهرام»، لكنني لا أعتقد أن المسائل التي أكتب فيها تلائم اهتمامات «الأهرام».
بعد سنوات كتبت 3 مقالات في هذه الزاوية بعنوان «خلاف مع صديق راق». وبعدها بأشهر التقيت لطفي في حفل أقيم في «النادي الدبلوماسي» وكنت شديد الحرج. فكان جوابه «أعطيتني حقي: صديق وراق، ماذا أريد أكثر من ذلك».
إلى اللقاء...