نظير مجلي

حرص الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، على استهلال زيارته لإسرائيل، التي وصلها ظهر أمس، على صد الشكوك الإسرائيلية تجاه عملية السلام. وقال إنه أيقن خلال لقائه مع الملك سلمان وسائر الملوك والرؤساء العرب والمسلمين، أن غالبية المسلمين الساحقة في العالم ترفض الإرهاب وتلتزم مقاومته عسكريا وسياسيا، ولكنها تريد تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في إطار استئصال قوى الإرهاب، وتقويض قاعدة الكراهية والعنف التي تستند إليها هذه القوى.

وكان ترمب قد استقبل في مطار بن غوريون (اللد)، بمراسم رسمية، بمشاركة الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو وغالبية الوزراء الإسرائيليين، والقيادات الدينية اليهودية والإسلامية والمسيحية. وحرص المسؤولون الإسرائيليون على توجيه رسائل سياسية لا تخلو من الغمز واللمز. فقال ريفلين في كلمته، إنه «سعيد باستقبال رئيس الولايات المتحدة بالتزامن مع يوم الاحتفال الإسرائيلي بيوم توحيد القدس»، ويقصد احتلال القدس الشرقية في العام 1967. وإنه يؤمن بأن الولايات المتحدة تؤمن بأهمية القدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل، وإنه سعيد بأن «الولايات المتحدة قررت العودة إلى الشرق الأوسط». ثم قال: «اعلم يا سيدي الرئيس أن العالم يحتاج إلى أن يرى الولايات المتحدة قوية، والشرق الأوسط يحتاج لأن يرى الولايات المتحدة قوية، وإسرائيل تحتاج لأن ترى الولايات المتحدة قوية. واسمح لي أن أقول: إن الولايات المتحدة تحتاج إلى إسرائيل قوية».

وقال نتنياهو في كلمته، إن إسرائيل تأمل بعقد اتفاقات سلام مع دول المنطقة كافة بعد محاربة الإرهاب.

يذكر أن ترمب استهل زيارته بلقاء مع الرئيس ريفلين، الذي يعتبر بلا صلاحيات سياسية. ثم توجه إلى القدس الشرقية ليزور كنيسة القيامة، وأصر على ألا يرافقه في هذه الزيارة، أي مسؤول إسرائيلي حتى لا يظهر أنه يعترف بضم القدس المحتلة إلى إسرائيل. ولوحظ أن الشرطة الإسرائيلية أجبرت أصحاب الحوانيت في الحي المسيحي في القدس القديمة على إغلاق محلاتهم التجارية، ومنعت سكان الحي من التحرك الحر.

وأنهى ترمب اليوم الأول من زيارته بلقاء وعشاء عمل مع نتنياهو. ومنذ بداية الزيارة، ساد التوتر قادة اليمين المتطرف، الذين لم يخفوا قلقهم من مضامين تصريحات ترمب ولقاءاته في الرياض. وقد أعد بعضهم مطبات سياسية محرجة له. 
فعندما حطت طائرته في المطار، استغل وزراء اليمين فرصة مصافحته لهم لإطلاق رسائل حزبية مخالفة لأصول البروتوكول، وسط دهشة وامتعاض المسؤولين الأميركيين. فقال له وزير التعليم رئيس حزب المستوطنين «البيت اليهودي»، نفتالي بنيت: «سيدي الرئيس. منذ 50 سنة ونحن ننتظر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. فما رأيك أن تكون الرئيس الأميركي الأول الذي يحقق لنا هذا الحلم». واستغل وزير الأمن الداخلي غلعاد أردان المصافحة ليقول لترمب: «انظر إلى ما حدث اليوم في تل أبيب، هذا مجرد مثال للإرهاب الذي نواجهه يومياً». وكان بذلك يشير إلى حادث طريق أسفر عن عدد من الجرحى في مركز تل أبيب. وأعلنت الشرطة قبل هبوط طائرة ترمب بوقت غير قليل، أن الدهس في تل أبيب هو حادث طريق وليس عملية على خلفية قومية، ويفترض أن وزير الأمن الداخلي، الذي تقع الشرطة ضمن صلاحياته، قد اطلع مسبقا على هذه المعلومات. وهناك نائب في الليكود، يعقوب حزان، قام بشد ترمب من ذراعه وطلب منه أن يتوقف حتى يلتقط معه صورة سيلفي. ولم يتجاوب جهاز الهاتف معه، فظل قابضا على زند ترمب، حتى حلت المشكلة بعد عشرات الثواني، والعالم ينتظرون، بعضهم يضحك من المشهد والآخرون يفغرون أفواههم غير مصدقين ما تراه عيونهم.

وكانت منظمة «أماغور» اليمينية، التي تدعي التحدث باسم «عائلات ضحايا الإرهاب»، قد بدأت أمس، اعتصاما في «حديقة الاستقلال» في القدس الغربية، أمام مقر القنصلية الأميركية. وجرى تعليق صور لضحايا العمليات الفلسطينية المسلحة وإلى جانبها لافتة كبيرة لأبو مازن، يظهر فيها وهو يشكر أميركا على المال الذي توفره له والذي يستغله، حسب ادعاءات الحكومة الإسرائيلية، لتمويل «المخربين المدانين» (ويقصدون الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، المضربين عن الطعام). وطالبوا ترمب بالامتناع عن بدء أي خطوة من المفاوضات مع أبو مازن، طالما تحول السلطة الأموال للأسرى: «الذين قتلوا إسرائيليين وأميركيين ويعتقلون في السجون»، وطالما تواصل التحريض ضد إسرائيل. وقال رئيس «الماغور» مئير اندور، إن «أبناء العائلات لا يمكنهم الوقوف على الحياد حين يلمح الرئيس الأميركي إلى نيته الضغط من أجل استئناف المحادثات مع السلطة الفلسطينية من دون أن تعرب عن نيتها وقف التحريض».

وعلى الصعيد الرسمي أيضا، شارك رئيس الحكومة نتنياهو، ورئيس الدولة ريفلين، مساء الأحد، في الحدث المركزي لإحياء ما يسمى بـ«يوم القدس»، أمام أسوار البلدة القديمة، والذي شارك فيه آلاف اليهود. ولأول مرة منذ عام 1967 يشارك السفير الأميركي ديفيد فريدمان في المراسم. وقال نتنياهو، إنه «قبل 50 سنة لم نحتل (المدينة) وإنما حررناها. أنا أقول للعالم بصوت نقي وواضح – القدس كانت وستبقى دائما عاصمة إسرائيل. جبل الهيكل وحائط المبكى سيبقيان إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية».