شملان يوسف العيسى 

حظيت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للرياض باهتمام محلي وعربي وعالمي، خصوصاً بعد لقاءاته مع القيادة السعودية، وقادة دول الخليج، وقادة الدول الإسلامية؛ حيث دعا قادة العالم الإسلامي للتعاون لمكافحة التطرف. واتهم ترمب إيران برعاية الإرهاب، وقال إنها تسلح وتمول الميليشيات التي تنشر الدمار والفوضى، وإن الأسد الذي ارتكب جرائم لا يمكن وصفها مدعوم من طرف إيران، وأعلنت الرياض تأسيس مركز عالمي لمكافحة التطرف في العالم مركزه في الرياض.
المراقبون السياسيون الذين تابعوا نتائج القمة أكدوا أن السياسة الأميركية في عهد ترمب تختلف جذرياً عن سابقه الرئيس السابق أوباما. فالرئيس ترمب أعطى أهمية خاصة للعلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن، وكان التركيز الأكبر على القضايا الأمنية، حيث تكلف شراء معدات وأسلحة متطورة مبالغ وصلت إلى 450 بليون دولار، كما اهتم قادة البلدين بقضايا الاقتصاد والاستثمارات، وعقدوا عدة صفقات اقتصادية وتجارية مهمة.
احتلت قضية الإرهاب باهتمام القادة في اجتماعهم، وقد تم افتتاح مركز عالمي لمكافحة التطرف والإرهاب في الرياض، ونتصور أن هذا إنجاز كبير يسجل للقادة السعوديين، لكن واقع الحال والتحليل العلمي يؤكدان حقيقة أنه لا يمكن الوصول إلى الوسطية إلا بالتعددية الفكرية التي تقضي على التشدد بالرأي الواحد.
فالأديان السماوية وبما فيها الإسلام تدعو للوسطية والاعتدال، لكن ينبغي ألا نحمل أفكارا أحادية مطلقة في هذا الجانب.
فالحديث عملياً وفعلياً عن إسلام معتدل وإسلام وسطي وإسلام متشدد، فلدينا في الخليج فكر إسلامي سائد يرى كل التيارات السياسية وحتى الدينية المختلفة معه أنها أفكار غربية لا تحمل تراث الأمة... فهم في التيار الإسلامي السياسي ينكرون الأديان والطوائف الأخرى ويتهمونهم بالكفر والإلحاد. السؤال كيف يمكن فرض فكر الاعتدال بين الجماعات الإسلامية المؤدلجة سواء أكانوا من السلف أم من الإخوان أم ما شابه ذلك؟
دعوة الرئيس الأميركي للقادة في الدول الإسلامية إلى التعاون معه لمحاربة التطرف والإرهاب، وهي دعوة مستحقة في معظم الدول العربية والإسلامية اليوم تعاني معاناة حقيقية من انتشار أفكار التطرف والإرهاب. فالتجربة العربية والإسلامية في محاربة التطرف والإرهاب لم تحقق الهدف الشامل منها بعد، رغم مرور أكثر من 40 عاماً على انتشار فكر التطرف، فمنذ السبعينات من القرن الماضي، وانخراط شبابنا الخليجي والعربي في العمل الجهادي في أفغانستان لم تستطع الدول العربية القضاء على الإرهابيين العائدين منهم سواء في أفغانستان أو الشيشان، أو البوسنة، والهرسك أم كشمير وغيرها، والآن في سوريا والعراق واليمن وليبيا.
ما نريد أن نقوله إن عملية مكافحة الإرهاب والقضاء عليه ليست بالأمر السهل... فكل الحملات العسكرية الأمنية التي شنتها مصر والجزائر والسعودية وغيرها ما زالت لم تضع حداً للإرهاب رغم إمكانيات الحملات الأمنية... وهذا يؤكد وجود بيئة اجتماعية تولد الفكر المتطرف وترعاه وتموله وتتستر عليه، الولايات المتحدة نفسها لدينا تجربة مرة في محاربة الميليشيات المسلحة في كل من فيتنام وأفغانستان والعراق... فكلما زادت وتيرة العنف والقوة، جاءت ردود الفعل قوية.
التجارب الإنسانية في محاربة العنف والتطرف والإرهاب انتهت بالدعوة للوسائل السلمية بعيداً عن العنف لحل القضايا العالقة، والحل يتطلب معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى التطرف، فالإرهابيون في معظم الأحيان لا يستطيعون حمل السلاح ضد الدولة، إذا لم تكن لديهم بيئة اجتماعية حاضنة لأفكارهم تتبنى أفكارهم وترعاهم، وتدعمهم بشرياً ومادياً؛ بمعنى آخر هنالك أسباب سياسية واجتماعية أدت إلى حمل الشباب السلاح ضد دولتهم المركزية، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة. ففي العراق مثلاً بعد سقوط نظام الطاغية صدام، لم تحاول الحكومات المتعاقبة على العراق منذ الغزو الأميركي عام 2003 تشكيل حكومية وطنية تشمل جميع طوائف العراق وقومياته في بوتقة الدولة المدنية الجديدة. ما حصل هو أن فئة معينة بالعراق أرادت الانفراد بالسلطة باسم الأغلبية السكانية دون الأخذ بالاعتبار حقوق الأقليات الأخرى؛ مما شجع فئات المجتمع الأخرى على التمرد والتطرف المضاد للإرهاب. فبروز تنظيم داعش ما هو إلا محصلة طبيعية للانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين.
وأخيراً نرى أن قمة الرياض هي بداية الطريق الصحيح لمحاربة الإرهاب، إذا تعلم العرب من التجارب الإنسانية الأخرى التي تؤكد أن أمن واستقرار الشعوب يتطلبان مساهمة ومشاركة الشعب في تنمية بلده، بعيداً عن زج الدين بالسياسة.. . .