علي سعد الموسى

منتصف مساء ما قبل البارحة، كنت مع مجموعة من الزملاء ولا حديث كان يعلو فوق أحاديث الزيارة الرئاسية الأميركية وقممها الثلاث. ماذا تتوقع أن يحدث بعد هذه الزيارة؟ كان ذلك سؤال صديق، وفي جوابي: ستعمل قوى الإرهاب على اصطياد عملية نوعية متوسطة إلى كبيرة الحجم وستختار لها إحدى ولكن الجوهرية، على إحدى المدن الأوروبية، « الرخوة » النقاط عدت لمنزلي قبيل الواحدة صباحاً على وقع سباق الفضائيات الإخبارية التي تحاول الإمساك بأي شيء عن الحادث الإجرامي الدامي في مدينة مانشستر. وحتى ظهر الأمس، وبعد اثني عشرة ساعة من هذا الهجوم الإرهابي لا معلومات مؤكدة عمن كان وراء الهجوم سوى أنه شاب في الثالثة والعشرين من العمر وآخر مقبوض عليه. لا دليل مؤكد على أن الفاعل من ذئاب تطرف المتلبسين زوراً وبهتاناً بهذا الدين العظيم، ولكن من الدقيقة الأولى، وللأسف الشديد، يلبسنا الاقتناع التام أنه أحدهم. هذه هي الحقيقة. لا دليل مباشرا على أن العملية انتقام من (العزم الذي يجمعنا) مع العالم بأسره ضد الإرهاب، وضد قمم الرياض، ولكن المكان النائي نسبياً وشكلها الانتحاري عبر فرد أو اثنين شاردين تماماً يذهبان بنا إلى تأكيد مثل هذا التحليل. هذا العمل الإجرامي لم يكن مجرد اختطاف لسمعة هذا الدين العظيم، بل هو اختطاف ممنهج لحياة ملايين المسلمين من الأقليات المهاجرة في القارة الأوروبية. ملايين من المسلمين هربت من أهوال وجحيم حياتها في مجتمعاتها الأصل، لتجد أنفسها وبفعل هؤلاء المجرمين أسرى داخل السجن المجتمعي في المكان المستقبل تحت ريبة الشك والتهمة. استمعوا لما يقول أحد أكبر مساجد أوروبا على الإطلاق « ديزبري » أحد أئمة جامع ومقره مانشستر: أصبحنا بالملايين نخشى أن يأخذ أحدنا القدر في حادث سير طبيعي ثم يقتل فيه عابر رصيف وبعدها نتحول إلى قضية إرهاب وتهمة. جملته الحزينة جداً تشرح سكان « سدس » كل أهوال هذا الاختطاف. قد لا يعلم الكثير أن محيط مانشستر الكبرى من المسلمين. إن المربع الواصل ما لوحده « برمنغهام، نيوكاسل، برادفورد، مانشستر » بين مدن يضم ربع عدد المسلمين المهاجرين في القارة الأوروبية، وإن هذا المربع الصغير في المساحة يضم أكبر عدد من المساجد لا في كل مهاجر الأرض للمسلمين، بل أكثر من عددها في أصغر عشر دول إسلامية خالصة. تشعر بالأسى حين يقول رئيس شرطة مانشستر الكبرى بالأمس إنه وجه بإرسال ما يقرب من مئتي دورية أمن لحماية مساجد المقاطعة من أي ردة فعل رغم أن شيئاً من هذا لم يحدث، وحتى التهمة نفسها لم تعلن بعد. وتلقائياً تقلص خروج آلاف المسلمين إلى الحياة العامة بالمدينة نهار الأمس: هم المستهدفون الأساسيون في مجتمعاتهم الجديدة وهذه هي الحقيقة.