صالح القلاب 

باستثناء روسيا، وبالطبع نظام بشار الأسد وكوريا الشمالية «والأتباع» في العراق ولبنان واليمن وبعض المؤلفة قلوبهم من العرب، فإن العالم كله بات يدرك إن إيران، والمقصود هنا هو نظام الملالي والولي الفقيه، وليس الشعب الإيراني الشقيق والصديق، غدت «مرجعية» الإرهاب في الشرق الأوسط، وسبب كل هذه المآسي والتوترات التي يشهدها العراق وتشهدها سوريا واليمن، وتعاني منها كل دول هذه المنطقة؛ العربية منها وغير العربية.
لكن، ومع ذلك، فإن هناك من لا يزال يراهن على إمكانية استدراج هذا البلد؛ لا بل هذا النظام الظلامي، إلى دائرة التفاهم وحل المشكلات العالقة معه بالوسائل السلمية وبالتفاهم وعلى أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة وعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، وذلك مع أن الكل يعرف أن هذا التدخل الشائن يتم من طرف واحد؛ هو الطرف الإيراني.
لقد بقيت قنوات الاتصال مع إيران مفتوحة ومستمرة، وبخاصة بالنسبة لبعض العرب الذين يريحهم أن يكونوا وسطاء دائماً وأبداً إنْ مع طهران، وإن مع غيرها، لكن أي إنجاز، ولو في الحدود الدنيا، لم يتحقق، بل إننا بدأنا نسمع عن أن الاستعدادات العسكرية «الإيرانية» قد اكتملت، وأن «الهلال الشيعي» سيتحول إلى «بدر»!! ثم لقد سمعنا أيضاً من قال، ومن بين المحيطين بـ«مرشد الثورة»، إن أمجاد «فارس» سوف تعود، وإن هذه المنطقة، والمقصود المنطقة العربية، ستصبح قريباً، وكما كانت، مجالاً حيوياً لـ«الإمبراطورية» الإيرانية، وما كانت عليه الأمور في عهد «الدولة الساسانية»!!.
والسؤال الذي يواجهنا نحن العرب، والذي يواجه في الحقيقة بعض الدول العربية المعنية، هو: ما الذي نريده من إيران يا ترى... وما المشكلات العالقة بيننا وبينها التي ليس بإمكان أي «وسيط» جادٍّ حلّها؟!
الجواب الذي يعرفه القاصي والداني ويعرفه الجالسون على كراسي الحكم في طهران، أن ما بيننا نحن العرب وهذا البلد الذي من المفترض أنه صديق وشقيق وأن ما يجمعنا به أكثر كثيراً حتى مما يجمعنا بتركيا، التي كنا جزءاً منها إبان عهد الدولة العثمانية ولأكثر من أربعة قرون، هو تطلعه الدائم إلى ما وراء حدوده، وهو تدخله الشائن في الشؤون الداخلية لكثير من الدول العربية، وهو احتلاله للعراق وسوريا، وهو كل عمليات «الاستيطان» هذه التي يقوم بها بدوافع مذهبية في عاصمة الأمويين دمشق، وهو أيضاً كل هذا الذي يفعله في اليمن، وهو تحويل «حزب الله»، «وضاحيته الجنوبية»، إلى دولة ليس داخل الدولة اللبنانية؛ بل فوق هذه الدولة. إن المؤكد، وهذا إذا كان هناك وسطاء لا تزال لديهم الرغبة والقدرة على العمل على خط العلاقات العربية - الإيرانية المتوترة؛ بل المتردية، أنه لا مطالب ولا شروط لدى العرب، وبخاصة الدول المعنية، إلا المطالب والشروط الموضوعية، وهي أن يوقف الإيرانيون تطلعهم خارج حدودهم في اتجاه «منطقتنا» العربية، التي منها؛ بل في صميمها، الجزر الإماراتية الثلاث: «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى»، وأن يضعوا حداً لتدخلهم الشائن في الشؤون الداخلية لكثير من دولنا، وأن ينسحبوا ويسحبوا قواتهم وميليشياتهم الطائفية من العراق ومن سوريا وأيضاً من اليمن... وأن يوقفوا تآمرهم علينا، وأن يتوقفوا عن تلاعبهم المذهبي في أوضاعنا الدينية والمذهبية الخاصة.
لقد قال حسن روحاني، هذا الذي أعادوا انتخابه؛ لا بل أعادوا تعينيه رئيساً لإيران ليكون مجرد واجهة مخملية لنظام ليس أكثر منه استبدادية و«ديكتاتورية»، في مؤتمره الصحافي الأخير، كلّ ما يقوله جنرالات «حراس الثورة»؛ ومن بينه: إن الاستقرار في هذه المنطقة بعيد المنال من دون «مساعدة» إيران... أي من دون أن يكون القرار بالنسبة لهذا الاستقرار هو قرار الولي الفقيه. وهذا يبدو أنه جاء رداً على كلام لوزير الخارجية الألماني قال فيه: «نأمل من طهران (التخفيف) من تصعيدها في الخليج وفي سوريا والعراق ولبنان».
وهكذا، فإنه لا أمل إطلاقاً في فتح خطوط التفاهم مع نظام على رأسه معمم يحمل صفة «الولي الفقيه»؛ هذه الصفة التي كان قال عنها العلامة اللبناني الشيخ محمد مهدي شمس الدين، رحمه الله، إنها «استبداد ديني، وإن الأمة لها الولاية على نفسها من خلال الانتخابات الديمقراطية»، والتي رفضها أيضاً؛ إنْ ليس جميع، فأغلبية المراجع الشيعية العربية: السيد محسن الأمين، والسيد عبد المحسن شرف الدين، والسيد محمد حسين فضل الله، والسيد موسى الصدر، والسيد محمد جواد مغنية، والتي قال عنها السيد محمد علي الحسيني إنها «بدعة»، وإنها نظرية فقهية أُلصقت بالشيعة الذين أُلحق بهم العلويون والزيديون... «إنها إقصاء للعقل، ورفض للآخر، وإنها التسلط المطلق على حياة الإنسان».
إنه لا أمل إطلاقاً، في المدى المنظور على الأقل، لا في المراهنة على من اعتبروا «معتدلين» في هذه التركيبة التي بقيت تحكم في إيران منذ فبراير (شباط) عام 1979 وحتى الآن، فهؤلاء الذين يوصفون بأنهم أصحاب فكرة «الدولة القومية» المضادون لفكرة ما تسمى «الدولة الثورية»؛ ومن بينهم حسن روحاني، لا يمكن المراهنة عليهم لا داخلياً ولا خارجياً، فالقرار في هذا البلد هو قرار مرشد الثورة، بينما «الفعل» الحقيقي فيه هو لـ«حراس الثورة» وللتيار شديد التطرف المحيط بالولي الفقيه الذي لا قرار إلا قراره.
ويبقى أنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار، ودائماً وأبداً، وعلى أساس تحاور الأعوام الستة الماضية، أنه لا أمل إطلاقاً في «فك» عرى العلاقات الروسية – الإيرانية؛ فأولاً كانت هناك محاولات جدية عربية وغير عربية لإبعاد الروس عن الإيرانيين، جميعها باءت بالفشل الذريع، وثانياً أن فلاديمير بوتين الذي يسعى جاداً لاستعادة مكانة الاتحاد السوفياتي وروسيا القيصرية، وإنشاء «عالمه» الخاص الذي تحدثت عنه مطولاً زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان، لم يقبض بعد من الولايات المتحدة الثمن المجزي الذي يسعى إليه إنْ في القرم وإنْ في أوكرانيا، وإنْ في بعض دول البلطيق، والذي يجعله يفكر، ولو مجرد تفكير، في التخلي عن التحالف الروسي - الإيراني الحالي الذي هو التحالف الوحيد الذي بإمكانه الاعتماد عليه.
ثم إن المسألة الأخرى هي أن الإرهاب لم يعد يقتصر على «داعش»؛ فالحقيقة أنَّ «إيران»، التي تحتل العراق وتفعل فيه كل هذا الذي تفعله، والتي تحتل أيضاً سوريا وتفعل فيها أسوأ مما تفعله في العراق، والتي تمارس في هذه المنطقة العربية كلها؛ ومن ضمنها اليمن وبعض دول الخليج العربي، كل هذه الأفعال الشائنة التي تمارسها، باتت أخطر كثيراً من هذا التنظيم الإرهابي حتى يبقى التركيز عليه وحده وترك هذه الدولة المارقة التي لم يعد هناك أدنى شك في أنها غدت الظاهرة الأكثر تطرفاً والأكثر إرهابية في العالم كله.
ولذلك، ولأنه لم تعد هناك إمكانية لإبعاد إيران عن هذه الطريق التي بقيت تسير عليها منذ ثورة الخميني في عام 1979 وحتى الآن، وحيث جرت في هذا المجال محاولات أميركية متلاحقة كثيرة في عهد جيمي كارتر وأيضاً في عهود رونالد ريغان وبيل كلينتون وباراك أوباما، باءت كلها بالفشل، فإنه لا بد من المعالجة الجراحية الجريئة، وهذا يتطلب مواقف أكثر جدية من الولايات المتحدة تجاه فلاديمير بوتين تحديداً وتجاه روسيا الاتحادية..