أحمد السيد عطيف 

لا يمكن لأي تنمية أو رؤية أن تسير بانتظام وسلاسة في وجود ما يهدد الأمن، لا يوجد خيار، إما الحياة المستقرة وإما الإرهاب، والعالم اختار في الرياض الحياة المطمئنة.

لم ننتظر يوما أحدا لندافع عن أمن بلادنا ومستقبلنا، سياسيا وعسكريا، في أي زمان وفي أي مكان، سواء قبل العالم ذلك أم رفض، سواء شاركنا أحد أم وحدنا.

تطاولت بعض الألسنة على اتفاقيات بلادنا الاقتصادية مع أميركا، وأن قيمتها كان يمكن أن تغطي حاجة الوطن العربي وتغنيه عن الفقر، ومصطلح «الوطن العربي» في هذا السياق لا نسمع به إلا عند ذكر المال الخليجي والسعودي خصوصا.

إن تعبير «الوطن العربي» لا يعني على الواقع شيئا، بل هو تعبير يستخدم للابتزاز الثقافي والسياسي والاقتصادي. أين هو هذا الوطن العربي على الأرض؟ ما رايته؟ وما نظامه؟ وأين يقع؟.
الواقع هو أن هناك 22 دولة عربية لكل دولة نظامها وعلمها وتوجهاتها، وأغلبها في شقاق مع جيرانها العرب، وبعضها في حروب داخلية. 

في بداية هذا الأسبوع عاش العالم معنا ثلاث قمم في يومين في الرياض، وهي تحول كبير يؤسس لما بعده، كما وصفها خادم الحرمين.

يحق لكل سعودي الاعتزاز بما حصل في الرياض من قدرات عظيمة في التنظيم وأدوات سياسية عالية، ومكانة رفيعة ليست غريبة على بلادنا. حدث كل ذلك في وقت ظن الكثيرون أنه من المحال أن يحدث، نظرا للمعطيات التي سبقته، من الأحداث السياسية والعسكرية ونظرا للسياسة الأميركية في إدارة أوباما.

الأمور واضحة ولا تحتاج لشرح، لا يمكن لأي تنمية أو رؤية أن تسير بانتظام وسلاسة في وجود ما يهدد الأمن، لا يوجد خيار، إما الحياة المستقرة وإما الإرهاب، والعالم اختار في الرياض الحياة المطمئنة، وسيكون «إعلان الرياض» هو رؤية المستقبل، مع كل الشركاء الموقعين عليه.

لسنا وحدنا المسلمين، ولسنا وحدنا في العالم، ولا يوحد خيار بين مسالم ومعادٍ مهما كان دين أي منهما، ومهما كان قربه أو بعده العرقي والتاريخي والجغرافي. 

الإرهاب ليس ورقة سياسية يمكن التعامل معه بالسياسية، كل من يفعله أو يدعمه أو يجامله أو يتهادن معه أو يخدمه إعلاميا فهو عدو لنا، عدو مباشر، أيا كان، حتى ينتهي عنه. هكذا نفهم «إعلان الرياض» ولا يمكن أن نفهمه إلا هكذا، وسنعمل عليه بهذا الفهم من أجل بلادنا وأجيالنا.

حين كنا هدفا للإرهاب ونقاتله في الداخل والخارج كانت بعض الأنظمة، القريبة للأسف، تقيم علاقتها معه وتنفخ فيه مالا وإعلاما، تنفيذا للدور المنوط بها منذ بداية «الربيع العربي». إنها تخسر دورها الآن، ولا دور لها غيره، ومن الطبيعي أن ترى أنها مستهدفة من «إعلان الرياض». نحن نعرف أفعالها وتاريخها ومواقفها حتى بدون الحاجة أن تصرح هي بذلك.

لأسباب تاريخية وثقافية وجغرافية فإننا -نحن السعوديين- أكثر من غيرنا، معنيون بتنفيذ ومتابعة تنفيذ إعلان الرياض على كل مساراته السياسية والعسكرية والثقافية، داخليا وخارجيا. 

صحيح أن الإرهاب في البندقية والقنبلة وفي الشخص الذي يفجر نفسه وفي الذي يحرضه في الخفاء، لكنه قبل ذلك كله في الفكرة، الفكرة التي يستند إليها المحرض والمفجر، وهي فكرة ينسبونها إلى الدين، وهنا الخطورة كلها، فالدين مشترك بيننا وبينهم.

الحرب على الإرهاب كما نخوضها في الشوارع والمدن والكهوف علينا أن نخوضها أيضا في مصنع الأفكار، وهي معركة تحتاج لشجاعة أكبر، وسنفعل ذلك إذا آمنا أن الدين، ممثلا في ما ورد في القرآن الكريم، هو لنا كما هو للقرون السابقة على قدم المساواة، وأن رؤيتنا له لا يجب أن تكون هي نفس رؤيتهم، فاختلاف الزمان يفرض اختلاف التعامل والفهم والسلوك. وإذا كان السياسيون والقادة قد وضحوا موقفهم وجدول أعمالهم في «إعلان الرياض» فإن على رجال الفكر والتعليم والفقه والمؤسسات الدينية أن تخوض معركتها في مجالها دون تردد، خدمة للحق، وحفاظا على حياة البشر.

إن قمم الرياض ليست حدثا عابرا، بل هي تحول عميق وحقيقي في التعامل مع الإرهاب، وحدث تاريخي عالمي صنعه السعوديون مع شركائهم في الرؤية والمصير. وكل عام والجميع بخير.