سلمان الدوسري

«من حقنا أن نسعى إلى جعل قطر تبدو وكأنها أهم دولة في العالم»، هكذا قال يوماً الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري الأسبق، مضيفاً: «لكن المشكلة تكمن في أن هناك بعض الدول العربية الكبرى التي لم تلعب دورها بما فيه الكفاية، وعندما لعبنا دوراً فإن هناك من اعتقدوا أننا نأخذ دورهم»،

هذه التصريحات نشرتها وكالة «بلومبيرغ» في مايو (أيار) 2014. وهذه كانت تتكرر بأشكال مختلفة منذ تولي الشيخ حمد بن خليفة أمير قطر السابق الحكم في بلاده عام 1995، وهي تلخص الأهداف الاستراتيجية للسياسة القطرية الخارجية، بينما الواقعية السياسية تنبئنا أنه لا دولة تستطيع القيام بدور دولة أخرى. فالبحرين، مثلاً، لا يمكن أن تقوم بدور مصر، والسعودية لا يمكن أن تقوم بدور بريطانيا. وعلى هذا المنوال ظلّت الدوحة في مناكفات ومشاكسات وخلافات واستفزازات لم تنتهِ، تخبو فترة وتظهر فترة وتناور فترة ثالثة، إلا أنها في المجمل سعت طوال العشرين عاماً الماضية لتحقق هدفها بأن تكون قوة إقليمية بالمنطقة، حتى ولو كان ذلك على حساب أمن واستقرار المنطقة وشقيقاتها دول الخليج.
وبعيداً عن التصريحات المنسوبة لأمير قطر، والتي تقول الدوحة إنها غير صحيحة، فهي في حقيقتها تمثل جوهر السياسة القطرية وإن لم تصرح بها، فاللعب على التناقضات كان الأداة التي برعت في استخدامها مع شقيقاتها.
دول الخليج، وقطر معها، تتخذ موقفاً مشدداً من إيران في اجتماعات مجلس التعاون الخليجي، لإيقاف تدخلاتها ومواجهة مشروعها التوسعي، وبعدها مباشرة في أكتوبر (تشرين الأول) 2015، توقع الدوحة وطهران اتفاقاً أمنياً عسكرياً. تشارك قطر في عاصفة الحزم في اليمن والتي من أهم أهدافها قطع دابر النفوذ الإيراني، وبعد أشهر قليلة يقول أميرها في الأمم المتحدة إن العلاقة مع طهران «تنمو وتتطور باستمرار على أساس المصالح المشتركة والجيرة الحسنة». تعقد القمة الخليجية في الدوحة ويفاجأ القادة الخليجيون بحضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد من دون علم منهم، وبدعوة قطرية كضيف شرف. تعاني البحرين من أحداث شغب تجاوزت مطالب الإصلاح والملكية الدستورية إلى إلغاء الملكية، وإقامة نظام جمهوري طائفي في البلاد، وترفض دول الخليج هذه الأفعال، فأي فوضى تعاني منها دولة ستنتقل بالتأكيد للدول المجاورة، لكن الدوحة تقف موقف المحايد وتطرح مبادرات تُميل الكفة لمن ظهر أنهم ليسوا أكثر من ميليشيات تدعمهم إيران، أما قناة الجزيرة، الذراع الإعلامية للدبلوماسية القطرية، فاستمرت تساند قوى الفوضى في البحرين وتصفها بـ«الاحتجاجات» و«الانتفاضة الشعبية»، وتقدم الدعم الإعلامي لمن يريدون الانقلاب على الملكية. تحارب دول الخليج الإرهاب بشراسة، في حين أن الدوحة تتعاطى للأسف بأجندة مختلفة، تستضيف جماعة الإخوان المسلمين وتمولهم، منحت قادة «القاعدة» منصة إعلامية لم يحلموا بها، قدّمت تنظيم جبهة النصرة على أنه «قوة معتدلة» وروّجت لانفصاله عن تنظيم القاعدة الإرهابي، وغير بعيد اتفاق الإفراج عن الأسرى القطريين في العراق، والذي كشفت تفاصيله هذه الصحيفة، وقضى بتهجير أربع بلدات سورية ثمناً لتحرير الأسرى، وكان من ضمن الأطراف الضامنة للاتفاق إيران وجبهة النصرة!
في عام 2014 سحبت السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين سفراءها من الدوحة بعد اتهام الدول الثلاث لشقيقتها قطر بالعمل على تهديد الاستقرار السياسي والأمني لدول الخليج، عبر استقطاب ودعم الرموز الإخوانية في دول الخليج. كما هدّد المال القطري أمن المنطقة ككل، من خلال التقارير التي أثبتت دعمها لجبهة النصرة. ودعمت الإعلام المعادي للسعودية والإمارات والبحرين، بتحويل مؤسسات قطرية إلى منابر تهاجمها، وأغدقت الأموال على الرموز التي تعارض نظام الحكم في هذه البلدان، بالإضافة إلى توظيف المال السياسي وشركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة والغرب للنيل من المصالح الخليجية. وبعد تعهدات قطرية عدة تم إعادة السفراء الثلاثة بعد تسعة أشهر شرط التزام الدوحة باتفاق الرياض، إلا أن ما حدث على أرض الواقع أن قطر تملّصت من الاتفاق ولم تنفذه، بل إن مسؤولاً خليجياً قال لي إن وزير الخارجية القطري السابق خالد العطية، اعتبر الاتفاق مات بوفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز راعي اتفاق الرياض. وعند النظر للمبررات التي أجبرت السعودية والإمارات والبحرين على سحب السفراء، نجد أنها المبررات نفسها حاضرة إلى اليوم، لم تتغير هي، ولم تتغير الدوحة معها أبداً إلا في الشكل، أما في المضمون فما زالت السياسة القطرية ثابتة.
لكل دولة الحق في اتخاذ سياستها التي تتوافق مع مصالحها، وليس شرطاً في السياسة الدولية تطابق المواقف بين الدول، أما إذا تسببت هذه السياسات في الضرر للأمن الإقليمي، وأدّت لانتشار الفوضى وزعزعة الاستقرار، فلا توجد دولة تصبر على هذه السياسات الكارثية كما صبرت السعودية وشقيقاتها في دول الخليج!
من غير عدول الدوحة عن سياساتها التي تضرّ جيرانها وتهدد أمنهم القومي، فإن أي عودة ستكون مؤقتة ولا طائل منها بعد أن قطعت شعرة معاوية التي صمدت طويلاً منذ 1995.. . . .