شتيوي الغيثي

جاءت أهمية القمة لتصنع مرحلة جديدة على مستوى الخريطة العالمية وليس فقط في المنطقة العربية، وإعادة الصداقة السعودية - الأميركية إلى الواجهة من جديد

حدث قمة الرياض يعتبر من أنجح الأحداث السياسية في المنطقة العربية منذ فترة طويلة، كونه استطاع بناء شراكات وتحالفات دولية قد لا يكون من الممكن عملها لو لم تعقد في الرياض، بحكم أن السعودية هي الدولة الأكثر تأثيرا في المنطقة العربية ككل، ولذلك فنجاح هذه القمة أنه مرهون بمدى ما قد تحقق للسعودية من مكانة سياسية ودولية، سواء في المنطقة العربية أو في العالم الإسلامي أو حتى في العالم الغربي، بحيث استطاعت السعودية إعادة التوازن في العلاقة مع أميركا بعد سنوات فتور في العلاقة سببتها أحداث ليس هنا محل الحديث عنها.
كنت، وما زلت، أردد منذ حوالي أكثر من خمس سنوات أن الدولة السعودية تزداد قوة في المنطقة رغم ما فيها -أقصد المنطقة العربية- من قلاقل خلفتها الثورات التي لم تنجح، بل أعطت الإسلام السياسي بالظهور أكثر وتدمير المنطقة بالحروب الأهلية التي لم تهدأ حتى الآن. في ظل هذه الأجواء استطاعت السعودية أن تعزز من قوتها في المنطقة، ويمكن المبالغة قليلا إذا ما قلت إنها الأقوى عربيا الآن، وقمة الرياض تشهد بذلك كونها استطاعت جمع عدد هائل من الدول على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والعالمي، لتضخ الخطوط العريضة في بناء تحالفات سياسية وعسكرية للوقوف ضد الإرهاب، وهو الورقة الأصعب في المنطقة، بل هو الورقة التي أقلقت المنطقة كلها، وكان لا بد من التسارع في عقد مثل هذه القمة لحل ملف الإرهاب الذي لم يحل منذ أكثر من سبع سنوات، حتى مع حروب الدول الكبرى له وضرب مواقع عديدة يتركز فيها الإرهابيون، سواء من تنظيم داعش في العراق وسورية أو التنظيمات الأخرى، إضافة إلى التحالف ضد تلك الدول التي تدعم الإرهاب أو تخلق بلبلة سياسية في المنطقة ويجب الوقوف ضدها لكي تكف عن تغلغلها في النسيج العربي وبث القلاقل السياسية، ولذلك يكون من المهم إيقاف مثل هذه الدول عن العبث في خلخلة الأوضاع العربية.
قوة السعودية ومحوريتها في الشرق الأوسط يكمن في أنها الدولة ذات الموقع الجغرافي في وسط الجزيرة العربية وقلب العالم الإسلامي والدولة التي يحظى اقتصادها بقوة كبيرة حتى وقت الأزمات الاقتصادية فإنها تبقى بعيدة عن المشكلات الاقتصادية التي تهز دولا أخرى، إضافة إلى أنها استطاعت الحفاظ على مكانتها السياسية رغم إحاطة الثورات السياسية من حولها، فحينما عدت المنطقة العربية بالثورات كانت السعودية في منعة من تأثيراتها رغم حدة الخطاب السياسي من حولها، ولذلك حينما انعقدت القمة الخليجية ـ العربية ـ الإسلامية ـ الأميركية، فإنها لم تكن قمة عادية، بل هي قمة ذات قيمة كبرى في صنع هدوء عام في الشرق الأوسط، ونتمنى كما يتمنى غيرنا بالتأكيد، أن تكون هذه القمة الخطوة الأولى في طريق السلام في المنطقة العربية ودحر التنظيمات الإرهابية التي تنتشر في أكثر من دولة، وفي تصوري أن القمم الثلاث لم تكن قمما عادية كما يحدث من قمم سابقا بقدر ما أنها قمم تتحدد فيها خريطة العمل السياسي في المنطقة بحيث تضمن هذه القمم الثلاث عدة تحالفات في نسق واحد داخل ثلاث دوائر، الدائرة الأولى هو أمن منطقة الخليج، والدائرة الثانية هي أمن المنطقة العربية، والثالثة أمن العالم الإسلامي، وهذه الدوائر لا يمكن أن تتحقق ما لم تكن التحالفات في سياقها الصحيح، سواء على مستوى الخليج من جهة أو على مستوى العرب من جهة أخرى، أو على مستوى العالم الإسلامي والدولي من جهة ثالثة.
ولعل أهم نقطة في قمة الرياض هو استهدافها القضاء على التنظيمات الإرهابية ومحاربتها ومحاربة داعميها من أي دولة كانت. وهذا الاستهداف لن يكون من دولة واحدة فقط، بل هو يجعل كافة الدول العربية والإسلامية في مواجهة الفكر المتطرف، مما يجعلها أكثر تأهيلا في محاصرة الفكر الإرهابي والقضاء عليها، إضافة إلى أنها ستكون إثباتا حقيقيا بأن الدولة السعودية بمعية الدول العربية والإسلامية أنها دول ضد منظومة الفكر المتطرف، وهي تسعى لمحاربته منذ سنوات طويلة وليست وليدة هذا اليوم، إلا أن القمة تثبت بما لا مجال فيه للشك أنها الدولة الأكثر حرصا على السلام في المنطقة والقضاء على الإرهاب.
القضاء على الإرهاب يعني القضاء على كثير من مشكلات العالم العربي، لكون الإرهاب هو أكثر الأزمات العربية حضورا على المشهد السياسي، والقضاء عليه يعني قوة لتلك الدول التي عملت على إبعاده عن المنطقة لمزيد من التنمية والاستقرار، إذ لا يمكن بناء دول قوية وهي تعيش في قلاقل سياسية عديدة، فلم تهدأ الجزائر وتبني دولتها مثلا إلا بعد انتهاء أزمات الحروب الأهلية وحل مشكلة الإرهاب في التسعينات، وذلك الحال في دول كالعراق وسورية وليبيا واليمن وغيرها، خاصة أنها دول ذات قيمة سياسية في المنطقة، ولذلك تأتي السعودية ومعها دول الخليج وكثير من الدول العربية والإسلامية لتضع بصمتها الكبرى في حل مشكلة الإرهاب، وعلى هذا الأمر جاءت أهمية القمة لتصنع مرحلة جديدة على مستوى الخريطة العالمية وليس فقط في المنطقة العربية، وإعادة الصداقة السعودية - الأميركية إلى الواجهة من جديد، وبناء تحالف قوي ومتين لا يمكن الاستهانة به في مقبل الأيام.