أحمد عبد التواب

بفرض حُسن نية القائلين، فإن تبريراتهم ساذجة عن الجريمة الإرهابية الخسيسة التي راح فيها 29 شهيدا من مواطني مصر الأقباط، وعن الجرائم الشبيهة التي سبقتها، بزعمهم أن قمع الحريات هو الذي يجعل البعض يلجأون إلي رفع السلاح، وأنه يُشتت الجبهة الوطنية التي، كما يُروّجون، لا تجد ما يُحفِّزها علي مساعدة النظام الحاكم!! وكما تري، فهم لا يلتفتون إلي تهافت منطقهم إذا نظروا إلي الإرهاب الذي يضرب الديمقراطيات التي توفر كل الحريات التي يتحدثون عن افتقادها هنا، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والنمسا وأمريكا! وعلي الناحية الأخري، فإن الإرهاب لم يتجاسر علي أن يطلّ بطرف قرنه تحت حكم المستبدين الأشدّاء، مثل صدام حسين وحافظ الأسد، بل إن كثيرا من العراقيين والسوريين ينعون الآن أيام الاستبداد الذي كان يحميهم من جماعات القرون الوسطي!! كما لا يُقدِّم هؤلاء تفسيرا للعلاقة بين ما يقولون إنه اضطهاد للبعض فإذا بهذا البعض، لا يتعامل مع مصادر الاضطهاد المزعومة بل يقتل الأقباط الأبرياء بدم بارد! كما أنهم يتغافلون أيضا عن إيجاد إجابات مقنعة علي أسئلة كثيرة مهمة، مثل: لماذا يقتصر اللجوء إلي الإرهاب المسلح علي هذه الجماعات الإسلامية؟ ولماذا لم يلجأ بالمثل اليساريون والليبراليون المصريون إلي الإرهاب في أعتي ظروف اضطهادهم؟

الحقيقة الساطعة هي أن الإرهاب المسلح يتواري في ظل الدولة القوية التي لا تسهو عن الصلات العضوية بين خطاب الكراهية والترويج للتمييز الديني وبين المجاهرة بالعنف الصريح، وتستأصل الجذور بحسم قبل أن تتصدَّي للأعراض. ولا علاقة هنا بالديمقراطية ولا بالاستبداد، بل يحدث في حالات كثيرة أن يتفوق الاستبداد الذي لا يحترم حريات جميع مواطنيه في قهر الإرهابيين، لأنه يتخفَّف من قيود القانون.

أما المناضلون الأصلاء من أجل الحريات فهم لا يتسوَّلون الأسباب والحجج ولا يدلِّسون علي الناس ولا يخفون الحقيقة ولا يُموِّهون علي الإرهابيين، لأن الحريات حقوق أساسية للمواطنين يُصرّ الإصلاء علي تحقيقها بلا مساومة ولا تحايل، ويدركون أن حق الحياة أسمي الحقوق التي يهدرها الإرهابيون.