مشاري الذايدي 

هناك شخصيات، وأحداث، في التاريخ كتب لها الخلود، لأنها - الشخصية والواقعة - حددت مسارات، كوّنت ثقافات، أنشأت مذاهب ومسائل في الفقه والعقائد وحتى الأدب والشعر والأزياء والطعام.
هذا في كل الأمم، شخصيات مثل: لورد كرومويل، الملك هنري الثامن، مثلاً، شخصيات جدلية بالتاريخ البريطاني، وما زالت الدارسات تترى عنها وكأنه لم يكتب عنها آلاف الصفحات.
في تاريخنا، العربي والإسلامي، لدينا المئات من الشخصيات التي من هذا النوع، وكذلك الأحداث، مثلاً: معاوية والحسين ويزيد وعبد الملك بن مروان، ومروان الحمار، والسفاح والمنصور والرشيد والمتوكل، وعضد الدولة البويهي، ونظام الملك، والبرمكي، والحلاج، وصاحب الزنج، والعلقمي والمعز الفاطمي والحاكم وصلاح الدين.
على ذكر صلاح الدين، والمعز الفاطمي، فقد أطلق الأديب والمؤرخ المصري، يوسف زيدان، ضجة جديدة، بوصفه للملك المسلم الشهير، صلاح الدين الأيوبي، بأنه «من أحقر الشخصيات في التاريخ الإنساني».
قراءة الشخصيات والأحداث، مسألة مفتوحة، ولا حجر على باحث فيها، ولكن هذا الوصف كما قال الأستاذ سمير عطا الله في زاويته بهذه الجريدة، ليس من أوصاف النقد العلمي، بل حديث أقرب للدردشة المنطلقة.
صحيح أن زيدان سوّغ رأيه هذا بوقائع، أو قال عنها وقائع، عن «حقارة» صلاح الدين، وهي إبادته للفاطميين، ومنعهم من التناسل، بعزل النساء عن الأطفال.
علق عليه الباحث رائد السمهوري بصحيفة «الوطن» السعودية، بسرد وقائع مضادة لخلاصة زيدان، ومنها أن المؤرخ الدمشقي الشهير ابن كثير في تاريخه «البداية والنهاية» ذكر في أحداث عام 738هـ (أي بعد قرنين من تملّك صلاح الدين لمصر)، أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون أمر بترحيل علي ومحمد ابني سليمان بن داود بن سليمان بن الخليفة الفاطمي العاضد، آخر الخلفاء الفاطميين!
ثم حديثه عن «سلمية» الفاطميين، ليس بذاك المتفق عليه، فثقافة تلك العصور كلها ثقافة السيف والدرع والمغفر، وقد تحدث شيخ المؤرخين الذهبي عن العالم المصري أبو بكر بن النابلسي، الشهيد الذي قتله الخليفة الفاطمي، الشهير، المعز قتلة غريبة.
كان ابن النابلسي معارضاً للفاطميين، فقبض عليه المعز وحقق معه شخصياً، ثم أعدمه على هذه الصورة: «أمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً، ثم أمر بسلخه وهو حي، ثم حشي جوفه تبناً وصُلب»!
لا نقول إن الفاطميين ليست لهم مآثر عمرانية وغير عمرانية في مصر، ولكن لا نلغي كذلك مآثر صلاح الدين وشخصيته الفريدة، ودحره الصليبيين الغزاة. بكل ما عليه من مؤاخذات.
التاريخ نص مفتوح... في رحلة للحقيقة.