علي سعد الموسى

نحن بالفعل تعبنا من أسطوانة الخرافات وقصص الأساطير. يكفينا ما سيق إلينا ذات زمن غفوة وجهل 
عن بطولات وخوارق الجهاد الأفغاني، التي لم تحدث لسيد الخلق في بدر وأحد، ولا لأبي بكر في حروب الردة، أو عمر في اليرموك والقادسية. نحن اليوم أمام جيل تقني جديد يستطيع الوصول في دقيقة إلى جوهر وصدق القصة والرواية التي كانت تأخذ من جيلي سنة كاملة للتحقق. اليوم أورد لكم قصص اختلاق لا تتشابه مع ما كتبت بعاليه، ولكنها أختها من النسب والدم ونفس الرضاعة. هنا هي: يقول الشيخ محمد موسى الشريف، وهو حجة أتباع ومريدين معروف ما يلي بالنقل المباشر من مقطع منشور (حكى لي أحد الجنود الذين كانوا يعملون في قاعدة الظهران الجوية، لا في جيش البعث، أنه في عام 1390هـ كان يضطر إلى الصلاة خلف دولاب ملابسه لأن الضباط السعوديين بالقاعدة كانوا يستهزئون بمن يصلي في قاعدة لا يوجد فيها مسجد واحد، وكان الضابط الذي يتبع له «نجديا» يلبس السلسال، ويهزأ بالصلاة. انتقل نفس الجندي بعدها بثلاث سنوات إلى قاعدة خميس مشيط، ولم يكن الوضع يختلف عن الظهران، ولم يكن في القاعدة مسجد واحد في تلك الأيام)، انتهى الكلام المسجل لأعثر له على تغريدة يقول فيها «حدثني الشيخ حمد الصليفح أنه وفي أيام المد الناصري كنا نتخفى بالصلاة في كلية الشريعة بالرياض».
هؤلاء من صناع الأوهام يظنون أننا عشنا على أرض غير هذه الأرض كي ينقلوا لنا ما لم نكن نعرفه عنها قبل أربعين سنة. لاحظوا أنه في المقطع والتغريدة مجرد ناقل من جندي أو زميل، ولم يكن شاهد مرحلة. هو من فصيل «حدثني من أثق به». ولن يقبل أصغر طفل في عالم هذا العام حكاية الهروب بالصلاة والتخفي بها في قاعدة عسكرية سعودية، فكيف بالطامة أن يتوارى أساتذة كليات شريعة وطلابها للتخفي بالصلاة خوفا من المد الناصري، ومتى، في زمن الملك فيصل.
لماذا يصنع أمثال هؤلاء مثل هذه القصص حد أوهام الخيال عن مجتمع هو أبي وأبوك وجدي وجدك في قاعدة عسكرية أو كلية شريعة؟ والجواب البسيط ليس إلا ليقولوا: نحن من غيّر الواقع، لا الدولة، ونحن من كان السبب الذي لم يترك فيه هذا الجندي قاعدته العسكرية إلا وكان فيها سبعون مسجداً ومصلى بعد أن بنتها الدولة مدنا كبرى، ولكن بلا مسجد واحد. ليقولوا نحن أصحاب الفضل لأجيال ومجتمعات كانت تصلي سراً وتخفياً داخل مؤسسات الدولة الرسمية. وصل بهم اختلاق الخيال ليقولوا إن أهلكم قبل أربعين سنة كانوا يصلون خلف دولاب في غرفة مقفلة.