أحمد الجميعـة

القناعة الراسخة أن هزيمة الإرهاب على الأرض لن تتحقق من دون محاصرة أفكاره المتطرفة، ووسائله التقنية المتطورة على شبكة الإنترنت، ومصادر تمويله، وأي جهد لا تتحقق معه تلك المعادلة لن يصل في النهاية إلى أهدافه.

صحيح أن الإرهاب الأجير تحول إلى مجهود مسيّس، تتقاطع معه مصالح، وتصنعه أجندات، وتتلون معه حقائق، وتتعرى في مواقفه وتوجهاته دول ومنظمات، ولكنه يبقى فعلا مؤثرا في ردوده، ومخيفا في تهديده، ومزعجا في تداعياته، ومربكا لجهود الأمن والسلام.

بعد قمم الرياض الناجحة في صياغة مكافحة الإرهاب على أسس المواجهة الاستباقية، والتعاون المشترك، وتسمية الداعمين بكل وضوح؛ وقع انفجاران في مانشستر البريطانية، والمنيا المصرية، وخلّف ضحايا وإصابات، وهو ما يظهر أن الإرهاب لا يزال خطرا قائما يهدد الأرواح والممتلكات، ويفرض أسلوبه الوحشي في الانتقام، ونشر الفوضى، وإثارة الطائفية، ويتطلب تضافر الجهود الدولية في محاصرته، فلا يمكن لأي دولة مهما بلغت قوتها، وإمكاناتها أن تتصدى منفردة لهذا الخطر، وهو ما ترجمته قمة الرياض الإسلامية مع الرئيس الأميركي بأهمية مواجهة الفكر المتطرف أولاً، وتنسيق التحالفات والعمليات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية في التصدي له ميدانياً.

نحن في المملكة على إيمان راسخ من أن التطرف هو أساس قضية الإرهاب، ولذا جاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال" ليعبّر بوضوح أن مواجهة الإرهاب قضية فكرية بامتياز، ولا يمكن تجاهل أو تجاوز هذه الحقيقة، ومهما بالغنا في المنجز على الأرض يبقى خطر الفكر المتطرف قائماً، والشواهد كثيرة؛ إن في إثارة الشبهات، وإن في تجنيد الأتباع، وإن في مظاهر الاختراق الإيديولوجي للشباب.

مركز اعتدال رسالة سعودية ليس فقط في مواجهة الأفكار المتطرفة، وإنما منهج دولة في الانفتاح على متغيرات العصر مع الالتزام بالثوابت التي يمثّل الاعتدال أيقونة التعاطي معها، والاحتكام إليها، وهذا ينسحب على الخطاب الديني من جهة، والسلوكيات المجتمعية من جهة أخرى، فلا مجال لاجتهادات فردية، أو فتاوى تنطق خارج سياق الإجماع، وفي المقابل لا مجال لردود فعل تغرد خارج سرب الوسطية، أو البحث عن مغامرات الشهرة والبطولة في تغيير الواقع، والعودة إلى صحوة الأفكار المتطرفة، وتنشيطها على حساب المجتمع، أو إحراج الدولة في علاقاتها، وتوجهاتها الجديدة.

اعتدال يمثّل في جوهره راداراً فكرياً وتقنياً في الكشف عن الأفكار المتطرفة من بين ملايين الرسائل التي كانت في زمن مضى بلا رقيب ولا حسيب، واليوم نحن في مرحلة جديدة؛ تبحث عن فكر معتدل يعبّر عن رأيه في حدود ما هو متفق عليه، ويتحمّل أيضاً مسؤولية ما يصدر عنه.