تركي الدخيل 

منذ انتهاء الزيارة الأميركية للسعودية، وبعد انقضاء القمم الثلاث، جاب الرئيس ترمب دول العالم، وورد في كلماته ثناء كبير للملك سلمان بن عبد العزيز، حين التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس قال ترمب: «إن القمة كانت (ملحمية)، والملك سلمان بن عبد العزيز (رجل حكيم جداً)»، وفي مؤتمره الصحافي في بروكسل لقادة حلف شمال الأطلسي، أكد أن خادم الحرمين، «رجل حكيم يسعى لتحقيق إنجازاتٍ، ويريد رؤية الأشياء على نحوٍ أفضل... وبسرعة».
من الواضح أن الزيارة بكل نتائجها، والمودة التي أظهرها الشعب السعودي لترمب وإدارته، كانت مؤثرةً عليه حتى اللحظة. دقة رسم برنامج الزيارة، والفعاليات المصاحبة، والحفاوة البالغة ليس من الحكومة السعودية فحسب، بل في الفضاء المجتمعي عبر التعليقات والتغريدات. ترمب قال إنه جلس مع الملك سلمان مطوّلاً، ضمن مفاوضات موسعة بملفات متشعبة، لم يكن بها ترمب إلا منهبراً، لأن ما سمعه عبر الإعلام المعادي لم يعكس حقيقة السعودية، لقد جاء برجله إلى هذه الأرض وعرف زعماءها وخبرهم، فهم لا يعدون إلا بما سيوفونه، تلك هي سياسة السعودية منذ التأسيس.
الجيل السعودي الحالي لم يتشوّه كثيراً بالخطابات القومية واليسارية، التي عصفت بالعقول وسحرت الألباب منذ ستينات القرن الماضي، والتي كانت تندد بالقوى الإمبريالية باسم الاستعمار، وراحت تقلل من الدور الأميركي وتنفيه وتعارضه، مرضت النخب العربية حينها بعقدة اسمها أميركا، ورثت تلك الكراهية أجيال من الجماعات الإحيائية الراديكالية بالمنطقة، وأخذت تكرر بنفس المفردات القومية واليسارية قصائد الهجاء لأميركا، وذلك سببه عوز في فهم أميركا. يروي السياسي والخبير فؤاد عجمي، أن تلك الكراهية قد يكون سببها فلسطين، لكن أميركا ليست وحدها المسؤولة عن هذه القضية، ثم يورد ملاحظةً مهمة أن الجامع بين نُقاد أميركا هي التيارات الثورية التي لا تستطيع هجاء الحكومات، فتقوم عوضاً عن ذلك بهجاء أميركا! لقد قدّمت أميركا العون للعالم، وباستثناء بضعة أخطاء منها بعض الحروب، التي لم تكن بمحلها مثل غزو العراق عام 2003، تحديداً فإنها ساهمت بإنهاء حروب وإنقاذ دول إسلامية من الاستبداد كما في حرب أفغانستان ضد السوفيات أو بإنقاذ المسلمين من الحروب العرقية في البلقان، أميركا ليست شراً محضاً كما يعبر بعض المفكرين القوميين، وليست خيراً محضاً، ولكن بالتأكيد أن دول الخليج ومنذ أن غادرت بريطانيا أراضيها، بقيت أميركا البديل الطبيعي للاستثمار الاقتصادي والعسكري، وللتحالف السياسي بملفات المنطقة.
البعض يستكثر على السعودية التحالف مع أميركا، وكأن إيران لم تتسوّل خلال سنواتٍ ثمانٍ من أوباما، أن يجعلها الحليفة الأولى بدلاً من السعودية، وأن يسلّمها ملفات المنطقة، وقد فعل ذلك أوباما، إذ أعطى إيران مفاتيح كل العواصم، وتبجح النظام الإيراني قبيل عاصفة الحزم بأنهم يمسكون بزمام أربع عواصم عربية! كل دول العالم تخطب ود أميركا، وحين استعادت السعودية علاقاتها المتينة والطبيعية مع واشنطن، ثار البعض غيرةً وحسداً، وكأن إيران لم تستجدِ وبصغار أن تكون حليفةً للولايات المتحدة، لكن السعودية تتميز عن إيران بالتطور والمدنية، والواقعية السياسية، أما إيران فهي دولة ثيوقراطية تعيش في غياهب التاريخ، وتنسج كل سياساتها واستراتيجياتها على «انتظار المهدي!
إن إدارة ترمب تعبر عن عمق الولايات المتحدة، عن أميركا التي نعرف، وإذا كانت العلاقة ازدهرت تاريخياً مع (رزوفلت - الملك عبد العزيز)، و(إيزنهاور - الملك سعود)، و(جونسون، نيكسون - الملك فيصل)، رغم عواصف الحروب حينها، وبلغت الذروة بفترة (ريغان، آل بوش - الملك فهد)، ثم تصدّعت مع أوباما، والآن تعود الأمور إلى نصابها في عهد (ترمب - الملك سلمان).
يعلم العرب حكمة سلمان منذ نصف قرنٍ من عمله، ولحق بهذه المعرفة رئيس الدولة العظمى، دونالد ترمب..