سالم سالمين النعيمي

العنف المؤسس على العقيدة أو تأويلاتها، هو الأزمة الكبرى التي يمر بها عالمنا الإسلامي في الوقت الحاضر وخاصة في ما يتعلق بالنظر إلى الآخر بأنه أقل إنسانية وقيمة روحية منا كمسلمين، وهو لا يستحق الحياة أو حياته لا تساوي شيء يذكر، وقتله فضيلة وتقرب إلى الله، وهو فكر مهما قلنا، إنه ليس له صلة بالإسلام عن قريب ولا بعيد سيظل بقية العالم يجد صعوبة كبيرة في فصل ما يردده المجتمع المسلم بصورة عامة عن سماحة الإسلام مقابل الهجمات البربرية التي تضرب عمق مبادئ الإنسانية وقيم الإنسان المتحضر وسلام العالم بصورة تكاد لا تتوقف.

ويعد اختيار الإرهابيين لغة بعينها والتأكد من أن الإعلام والشارع يرددها وراءهم هو فن "يبدعون" فيه، بل يكادوا أن يتفوقوا على بقية العالم في الحرب الإعلامية النفسية متنوعة الأغراض والأساليب، ويقسمون الجمهور بين أهداف ناعمة أو لينة وأخرى صلبة، بين متحركة وثابتة ويبتكرون في كل مرة طريقة وهدفاً مختلفاً ونشر أفكار تجند الأفراد دون تواصل مباشر معهم، وجعلهم خلايا فردية قائمة بذاتها مما جعل مهمة مراقبة تلك العناصر أمراً في غاية الصعوبة.

فالإرهابي يبحث عن المعرفة الدينية والصفاء والنقاء الروحي والخلاص، وأسرع طريق إلى الجنة من خلال الموت، فلماذا لا نجعله يتجه نحو الحياة ويعمرها ليصل لتلك "النرفانا" الروحية، من خلال إعطائه الأمل في غدٍ أفضل وسماع صوته قبل أن يتلقفه من يقف في الطرف الآخر، وهو عراب الموت، ومن يمنح مفاتيح الجنة الوهمية، مما يدل على وجود قصور في دراسة أفراد المجتمع وتوجههم وميولهم ومشاكلهم منذ سن مبكرة من أجل تقصي الحقائق وجمع المعلومات عن توجهاتهم المستقبلية المحتملة، ونعمل على علاج ما كان بالإمكان تجنبه من البداية، وإن كنا محظوظين بالقدر الكافي سنعالج 80% من الحالات على أن يتم شفاؤها تماماً من الفكر المعتقدي الضال.

ففي العالم الإسلامي يُعد التدين للكثير من الناس طريقة هروب وحيدة من الماضي والمشاكل التي تحيط بهم، فيصبح التدين ملاذاً وهروباً من واقع الإنسان لواقع جديد هو غير مستعد له، ولم ينشأ على الأسس السليمة للتدين ومعرفة الدين كرسالة محبة وعلاقة خاصة مميزة بين العبد وربه، وبدلاً من ذلك يتصرف بعاطفته ومشاعره الجياشة لتحقيق الإبدال النفسي لمشاعره التي يرغب في التخلص منها بأي طريقة كانت، فلم لا والإرهاب استغل تلك المشاعر وجنّدها لصالحه في ظل غياب البدائل التي يجب ألا تكون حلاً فردياً لكل دولة إسلامية أو كل مسلم، بل مجهوداً جماعياً يشارك فيه الجميع للوصول لحلول مستدامة تجعل الفرد يهرب نحو المجتمع لا أن يصبح خارجاً عليه ويعتبره كافراً، فإيجاد آليات حلول شعبية أحد الحلول.

وفي ضوء تشعب الحاضنات السياسية والدينية للعنف العقائدي، وبعد أن فشلت آلة الدعاية لدولة الخلافة الإسلامية عقلانياً وتصعيدها إعلامياً فقط، أصبحت التنظيمات في وضع يائس ومستعدة لفعل أي شيء لجعل المفهوم حياً من جديد في عقول العالم وخاصة الشباب المسلم المتحمس للدفاع عن الإسلام، والذي يؤمن بأن الإسلام في حرب مع الغرب، وليس بالضرورة أن يكونوا متطرفين أو إرهابيين، ومجرد نجاح زرع هذه الفكرة في نسبة غير صغيرة من عقول الأجيال الشابة في الأمة الإسلامية هو مفتاح السر في استمرار الإرهاب والتطرف، ونحن أمة لا تجيد بيع الأمل، ونطالب بالمواطنة قبل أن يشعر المواطن أنه ينتمي لذلك الوطن، وهو ما تريده الجماعات المتطرفة، التي تسخر ذلك لتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى ترويجها لفكرة أن "الدين مستهدف" والجهات الحكومية "ضد الدين".

عوامل الجمود في الخطاب والفكر الديني عديدة ومتنوعة، ومن العناصر الرئيسية التي لا يسلَّط عليها الضوء بالقدر الكافي إشكالية استمرار اللغة القديمة خوفًا من الضياع في لغة كل عصر واستعارة لغة التجديد من الغرب ولغة خاصة بالنخبة الدينية لا يفهمها العامة، ونشأت على أثر تلك البيئة الطاردة تنظيمات تدعي الفهم المثالي للدين، وتدور في فلك لفظ المعاني، والمعنى الثابت والمقاصد، متناسين أن مقاصد الشريعة أساسها مصالح العباد في المعاش والمعاد كما يجب أن لا ننسى تحدي الوعي الإصلاحي غير المؤثر للمؤسسات الرسمية والمعتمد على التصريحات والمؤتمرات المغلقة والتوصيات التقليدية، ولا يخاطب الشارع على العموم بصورة مباشرة ولغة سهلة يفهمها ويستسيغها.