راجح الخوري 

 استعجل الرئيس دونالد ترمب الاتصال بالأمير محمد بن سلمان مهنئاً بتعيينه ولياً للعهد، ومعرباً عن أمله في أن يسهم اختياره في ترسيخ الشراكة الأميركية - السعودية، وهو ما ذكّرني تحديداً بما جاء في البيان الذي كان البيت الأبيض قد أصدره في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، عن زيارة الأمير محمد ومحادثاته مع ترمب، حيث أعلن «الاتفاق على دعم شراكة استراتيجية قوية وواسعة بين البلدين على أساس المصالح المشتركة، ومع التزام البلدين القوي بدعم الاستقرار والازدهار في منطقة الشرق الأوسط».
هذا الكلام عن الشراكة الاستراتيجية والتعاون في دعم الاستقرار الإقليمي، يبدو ترجمة موازية تماماً لما نقلته الأربعاء الماضي وكالة «أسوشييتد برس» عن محللين غربيين، من أن تعيين الأمير الشاب ولياً للعهد من شأنه أن يحدد نهج المملكة لعقود مقبلة، ويبدد أجواء التكهنات إزاء آفاق المستقبل، وفي هذا السياق تحديداً يأتي كلام باحث في معهد جيمس بيكر للسياسة العامة في جامعة «رايز» عن أن هذا سيحدد نهج السعودية في القرن الحادي والعشرين.
ليس في هذا أي مبالغة، فمن الواضح والمعروف أن الأمير محمد بن سلمان، هو الذي ينكب على هندسة وتنفيذ القواعد الطموحة والضرورية في برنامجه «رؤية 2030»، الذي يؤسس للسعودية الجديدة، التي سبق له أن وصفها في حديثه مع ديفيد أغناتيوس نهاية أبريل (نيسان) الماضي، بقوله إن المملكة تتجه إلى حقبة جديدة يقودها شباب السعودية، وإن هدفها العميق هو تحقيق أقصى الطموحات ومواجهة كل المخاوف... «وإن عنان السماء هو الحد الأقصى لطموحاتنا».
على خلفية ما يمثّله الأمير محمد بن سلمان من ثقة في الحاضر وأمل في المستقبل، لم يكن مفاجئاً أن يأتي ترحيب سوق الأسهم السعودية كاسحاً وعلى شكل مكاسب قوية، عندما قفز المؤشر بنسبة 5.5 في المائة، بعد ساعات من إعلان توليه ولاية العهد، وهي النسبة الأعلى لمكاسب السوق السعودية منذ 26 أغسطس (آب) من عام 2015.
الإجماع الدولي على الترحيب بقرار تعيينه يعكس مدى الحرص على رسوخ وتدعيم العلاقات مع المملكة العربية السعودية، لكنه ينطوي ضمناً على ارتياح كبير حيال البرنامج الحداثي والتغييري الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان، الذي يتمتع بشعبية واسعة بين الشباب السعوديين، انطلاقاً من سهره على تنفيذ برنامج إصلاحات جذرية فتحت الأبواب أمام مزيد من الترفيه والتطوير، وكذلك أمام الاستثمارات الأجنبية، تجاوباً مع رؤية جريئة للإصلاح الاقتصادي، وفي مقدمة هذا الخطط الجسورة لطرح نسبة من شركة «أرامكو السعودية» العملاقة لأكبر اكتتاب في التاريخ.
وليس خافياً أن الأمير محمد أطلق منذ اللحظة الأولى لتوليه المسؤوليات الرسمية دينامية مدهشة على ثلاثة محاور: المحور العسكري، حيث يدير كوزير للدفاع معركة «عاصفة الحزم» دفاعاً عن الشرعية اليمنية في وجه الانقلابيين الحوثيين الذين تحركهم إيران، ويشرف على تطبيق مراحل برنامجه الاقتصادي الطموح، ويدفع إلى الأمام حركة تطوير وانفتاح حداثي، حيث كان من قراراته الأخيرة إقامة أكبر مدينة في العالم للأنشطة الثقافية والرياضية والترفيهية.
بعد زيارته الثانية إلى الولايات المتحدة والاستقبال المميز الذي خصه به البيت الأبيض، قالت وكالة «بلومبيرغ» إن المحادثات بينه وبين ترمب شكّلت تحولاً تاريخياً في العلاقات بين البلدين الحليفين، وكان لافتاً حرص الرئيس الأميركي على إحاطة مأدبة الغداء بمؤشرات ذات دلالة ومغزى سياسي، عندما دعا كبار المسؤولين إلى دخول القاعة بعد بدء الاجتماع، ليستمعوا إلى ما سمعه من الأمير محمد، وتعمّد أن يحضر الغداء نائبه مايك بنس، وهربرت ماكماستر، وصهره جاريد كوشنير، ومستشارته للشؤون الاقتصادية دينا باول.
المراقبون يجمعون على أن قرار ترمب أن يبدأ زياراته الخارجية من السعودية، جاء نتيجة عملية واضحة لمحادثاته مع الأمير محمد، وهي المحادثات التي قال عنها سايمون هندرسون، من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى لوكالة «بلومبيرغ»، إن الإدارة الأميركية الجديدة باتت تنظر إلى السعودية على أنها جزء جوهري ومحوري من منطقة الخليج والشرق الأوسط، ودولة مهمة لها دورها الحاسم على المستويين الإقليمي والدولي.
بعد زيارته إلى السعودية بداية سبتمبر (أيلول) من عام 2016، عاد الدبلوماسي الأميركي دينيس روس إلى واشنطن وكتب مقالاً نشرته «واشنطن بوست» بعنوان «هذه هي السعودية الجديدة التي فاجأتني»، قال فيه إن المملكة هي الأمل الوحيد في مستقبل منطقة يصعب أن تجد فيها أي شيء من التفاؤل، مركزاً على ما وصفه بأنه ثورة إصلاحية، فهناك حال من النهوض، والقيادة العليا هي التي تقود هذا النهوض، الذي تشكّل برامج الأمير محمد بن سلمان الحداثية والتطويرية والاقتصادية محاوره الأساسية.
كان الأمير محمد قد أرسى سلوكاً جديداً في ممارسة العمل والإنتاج، ما دفع روس إلى القول: «إن الرياض تحولت عاصمة للنشاط والعمل في المنطقة، إنهم يعملون بواقع 80 ساعة أسبوعياً، ما يعني أن معدل العمل اليومي للأمير محمد كما للوزراء يتجاوز 11 ساعة على مدار أيام الأسبوع السبعة»، وعندما سأل: كيف يمكنكم الإيفاء بكل متطلبات التطوير الجديدة؟ كان الرد: «ليس الجميع سعيداً بما يحدث، لكن المسؤولين الجدد من الشباب وهم في مقتبل العمر، والأهم أنهم يشعرون بأنهم جزء من شيء مهم وأنهم يبنون واقعاً جديداً للسعودية»!
تلك هي الحقيقة الأهم: جزء من شيء مهم يبني واقعاً جديداً للوطن، إنها الروح والسر الذي زرعه الأمير محمد في ورشة المسؤولية التي تعمل للتحديث والتطوير. وهكذا يشرح لصحيفة «واشنطن بوست» أبعاد رؤيته «2030» التي تتلاقى مع طموحات السعوديين، وخصوصاً الشباب منهم، والتي تؤسس لتحوّل هادئ وضروري في النمط والأداء، فيقول: «أنا شاب و70 في المائة من مواطنينا هم من الشباب، ونحن لا نريد أن نهدر حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها منذ ثلاثين عاما، بسبب ثورة الخميني التي سببت التطرف والإرهاب. نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن، نحن الشعب السعودي نريد الاستمتاع بالأيام المقبلة وأن نركز على تطوير مجتمعنا وأنفسنا كأفراد وأسر، في حين نحافظ على ديننا ومعتقداتنا»!
ولكن هذا لا يعني قطعاً تجاوز الفلتان الإيراني في المنطقة، فقد سبق له أن قال لمجلة «فورين أفيرز»، إنه لا توجد نقطة للتفاوض مع النظام الإيراني الذي يصدّر آيديولوجيته العدائية وينتهك سيادة الدول الأخرى.
«فورين أفيرز» أطلقت عليه اسم «مايسترو التغيير والإصلاح»، وصحيفة «واشنطن بوست» تحدثت عن السعودية كما تظهرها أحلام وطموحات الأمير محمد بن سلمان، الذي أطلق تعيينه ولياً للعهد إجماعاً على أنه يعزز الثقة بمستقبل المملكة.