عبدالواحد الحميد

تجتاح بلدان الغرب، وبلدان أخرى كثيرة في العالم، ظاهرة "الإسلاموفوبيا" أو ما يسمى بـ"رُهَاب الإسلام" وهو النظرة المنحازة ضد الإسلام والمسلمين والخوف منهم وكراهيتهم. وقد أصبحنا جميعاً نلمس مظاهر الخوف من المسلمين وكرههم في بعض المجتمعات حين نسافر إلى بعض البلدان الغربية، كما أن الصحافة ووسائل الإعلام التي تصدر في العديد من البلدان تبث وتنشر باستمرار مقالات وتقارير وأخباراً تعكس ظاهرة "الإسلاموفوبيا".

وقد كان الحادث الإرهابي الذي وقع في لندن في الأسبوع الأخير من شهر رمضان الحالي والذي نتج عنه وفاة وجرح عدد من المسلمين أحد إفرازات هذه الظاهرة المقيتة. فالإرهابي الذي تعمَّد دهس المصلين حين كانوا يخرجون من صلاة التراويح في أحد المساجد بشمال لندن لم يخفِ مشاعره أو دوافعه بل صرخ معبراً عن حقده الدفين تجاه المسلمين: "سأقتل جميع المسلمين".

لم تكن العلاقة التاريخية بين المسلمين والغرب جيدة دائماً، فالتاريخ يحفل بقصص الحروب والحوادث العدائية المتبادلة بين الطرفين، لكن الأسباب الحقيقية لبزوغ "الإسلاموفوبيا" في الوقت الحاضر ليس فقط أحداث التاريخ البعيد وفترة الاستعمار ومساندة إسرائيل، وإنما أيضا بسبب الأعمال الإرهابية الوحشية التي قام بها تنظيم داعش وهي أعمال لا تنقطع ويتأذى منها مواطنون مدنيون في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من البلدان الغربية.

وقبل ذلك كانت هناك هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة والأعمال الإرهابية التي اقترفتها "القاعدة" في العديد من البلدان الإسلامية بما في ذلك المملكة.

إن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" تعكس بوضوح شديد الانطباع شبه العام الذي بدأ يترسخ لدى الكثير من الغربيين عن المسلمين وأحياناً - للأسف - عن الإسلام أيضا، وكانت النماذج النخبوية المُشرِّفة من مسلمي الغرب قد نجحت في عقود سابقة في رسم صورة طيبة عن المسلمين والإسلام لدى الغربيين، لكن هذا الجهد ضاع فيما بعد بسبب الحماقات التي ارتكبها ويرتكبها بعض المسلمين المقيمين في الغرب ممن حصلوا على جنسيات البلدان الغربية ويتمتعون بالامتيازات الكريمة التي توفرها الأنظمة الاجتماعية هناك، بالإضافة إلى الأعمال الإرهابية الصريحة الموجهة من بعض المسلمين إلى المجتمعات الغربية.

من المفارقات اللافتة أنه بالرغم من تفشي ظاهرة "الإسلاموفوبيا" نجد أن لندن قد انتخبت مسلماً كي يكون عمدة لها، ومنصب عمدة لندن من أقوى المناصب في بريطانيا ويقارنونه أحياناً بمنصب رئيس الوزراء، ما يعني أن الغرب مازال يفسح المجال للنماذج الناجحة ويتقبلها ويضعها في الصدارة، وبشكل يفوق ما قد تحصل عليه من فرص في بلدانها الأصلية.

هناك جهد كبير ينتظر المسلمين لإصلاح أحوالهم وإلا فإننا سوف نجد كثيرين في الغرب يرددون: "سنقتل جميع المسلمين". يجب أن نكون صريحين ونعالج مشاكلنا بواقعية وإلا ستتراكم هذه المشكلات في وجوهنا.