سمير عطا الله 

جاء الدكتور عمر مسقاوي من الأزهر. لكن عامة اللبنانيين لم يتعرفوا إليه إلا يوم أصبح وزيراً في الحكومة ونائباً في البرلمان. وبعدها، عاد إلى مدينته، طرابلس، يتابع ما بدأه في العمل البلدي، رئاسة «جمعية مكارم الأخلاق»، والانصراف إلى التأليف العالي في الشؤون الدينية والتاريخية.


وكرَّس الدكتور مسقاوي سنوات من الجهد للإضاءة على آثار المفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي، بناء لوصيته، وبتكليف منه. ومما يلفت أن بن نبي كلّف عالماً مشرقياً الحفاظ على إرثه، المعنوي والمادي، وأن اثنين من كبار مريديه، جودت سعيد وخالص الجلبي، من المشارقة أيضاً. ولا بد أن أذكر أن كتابات الجلبي وسعيد في «المجلة» قبل ربع قرن عن العالم الجزائري، هي التي دفعتني إلى قراءة أعماله. لكن عندما أهداني الدكتور مسقاوي مجموعة دراساته عن الرجل، وجدت أن المسألة تتطلب أكثر من قراءة عاجلة.
تميل الناس دوماً إلى البحث عن سرٍّ ما في أي شخصية فكرية أو عامة. وإذا كان لا بد من «سرّ» في مالك بن نبي، وفي انجذاب هذه النخبة من المريدين، فأعتقد أنه كان الإنسان فيه. لم يكن يتردد في أن يكتب أنه، عندما جلس على حافة سرير أمه يصغي إليها تروي رحلتها إلى الحج، كان يخرج إلى الشرفة ليبكي تأثراً، من دون أن ترى دموعه.
«سرّ» بن نبي كان بساطته وعفويته وسهولة النص المتدفق بالغنى الروحي والسكون النفسي: «وما إن وصلتُ إلى عتبة دارنا، بين مهرجان الأطفال المحتفلين بقدومي، حتى كانت والدتي في انتظاري في أعلى السلم، متكئة على عكازها، والبشرة تشرق على وجهها، فمدّت يدها الحبيبة فقبلتها، وقبلتها هذه المرة لأنها أيضاً يد الحاجة التي تعلقت بحلقات الكعبة، وبشباك رسول الله بالمدينة».
كان عالم مالك بن نبي واضحاً وبسيطاً والتعبير عنه سلساً ورحباً. وببلاغة البساطة، قدّمه عمر مسقاوي، وقدّم له. ترى هل شعر المغاربيون، وخصوصاً الجزائريين، بشيء من الغيرة في أن بن نبي أوكل إرثه الفكري أمانة إلى مشرقي؟ في أي حال، رعى الأمانة في أرقى درجاتها. وإن يكن العمل السياسي قد أغرى الدكتور مسقاوي لفترة قصيرة، فإنه سرعان ما عاد إلى موقعه الأصيل في العلم و«مكارم الأخلاق». وما غادرهما.