عبدالله السويجي

منذ أن بدأت الأزمة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، على خلفية تمويل قطر للمنظمات المتطرفة ودعم الإرهاب، وقيام الدول الثلاث بقطع علاقاتها الشاملة مع قطر، والولايات المتحدة ترسل مواقف متناقضة بين الحين والآخر، إلى درجة بات الشك يساور كثيرين من أنها تستغل الموقف أو تجيّره لمصلحتها لتحقيق أقصى استفادة منه.


آخر التصريحات العجيبة التي أدهشت المراقبين جاءت على لسان الناطقة باسم الخارجية الأمريكية هيثر ناورت، التي قالت: «الآن وبعد مضيّ نحو أسبوعين على قطع العلاقات، نعرب عن الدهشة إزاء عدم تقديم الدول الخليجية إلى القطريين ولا إلى الجمهور، أي توضيحات حول اتهاماتهم لقطر.. وكلما مر الوقت كلما ازدادت الشكوك حول الإجراءات التي اتخذتها العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة». وتساءلت المتحدثة باسم الخارجية إن كانت الإجراءات نابعة بالفعل من قلق إزاء دعم «مفترض» من قطر للإرهاب؟ أم أنها نابعة من خلافات قديمة بين دول مجلس التعاون الخليجي».


التصريح فاجأ الجميع، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن دعم قطر للمجموعات المتطرفة الموسومة بالإرهاب هي من باب الافتراض، ولا شيء تم تأكيده حتى الآن، الأمر الذي جعل قطر تستخدم تصريح الخارجية الأمريكية كوثيقة لبراءتها من تهمة دعم الإرهاب، والإيحاء للرأي العام بأنها مجني عليها وتتعرض لحصار غير إنساني. ويبدو أن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية تناست أن بلادها تقوم قبل أكثر من شهر من قطع دول في مجلس التعاون العلاقات مع قطر، بحملة إعلامية منظمة ضد قطر بتهمة تمويلها للإرهاب في ليبيا ومصر وسوريا والعراق وأفغانستان، وهي الدولة الوحيدة التي يوجد فيها «سفارة» لحركة طالبان التي تحارب الحكومة الأفغانية وجيشها الوطني. وهذه الحملة ليست سرية وإنما متوفرة في الصحف وعلى «يوتيوب» وغيرها من وسائل الإعلام والاتصال، يركز فيها المتحدثون من مجلس الشيوخ الأمريكي على دعم قطر للإخوان المسلمين والتنظيمات وأجنحتها العسكرية، مثل النصرة و«داعش» وغيرها، ويهددون قطر بنقل القاعدة العسكرية الأمريكية( العديد)، وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، وأكد أكثر من عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي علاقة قطر بالتنظيمات الإرهابية في ليبيا وإرسال شحنات الأسلحة إليها، وقد تلقى البيت الأبيض تقارير بهذا الشأن، وذكر أكثر من متحدث أن قطر تلعب على مختلف الحبال، وتدعم جميع الأطراف السنية والشيعية والمتطرفة والمعتدلة، واتهموها بتمويل جماعة النصرة الإرهابية، وهددوا بنقل القاعدة العسكرية الأمريكية من قطر.


وتحدث أكثر من سيناتور عن «قناة الجزيرة» بوصفها تستضيف رموز تنظيم الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم القرضاوي، إضافة إلى استضافتها لزعيم جبهة النصرة أبومحمد الجولاني في السابق. وجميعهم طالبوا قطر بتغيير سياستها إذا أرادت أن تحتفظ بوجود القاعدة الأمريكية العسكرية على أراضيها. وأخيراً، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه غرّد معقّباً على قطع العلاقات مع قطر بهدف تجفيف مصادر تمويل الإرهاب «إنها بداية النهاية للإرهاب..». وبعد ذلك كله تصرح هيثر ناورت من أن أحداً لم يقدم دلائل، بينما أعضاء الكونغرس هم الذين قدموا هذه الأدلة، إلا إذا كانت حملتهم مشكوكاً فيها.
ترى ما هو الموقف الرسمي الأمريكي تجاه الأزمة الخليجية؟ هل هو التأييد أم التشكيك أم النصح؟ 


من حق دول الخليج أن تشعر بالشكوك تجاه حقيقة الموقف الأمريكي، ومن حقها المحافظة على أمنها وسلامة شعوبها وإنجازاتها ورفاهيتها، وألا تسمح لأحد بالعبث باستقرارها وابتزازها، وما قامت به الدول الثلاث، السعودية والإمارات والبحرين، يشكل رسالة مضمونها أن دول الخليج تستطيع اتخاذ قراراتها بمفردها، وقادرة على إدارة أزماتها والمحافظة على أنظمتها من التفكك وبلادها من الدمار، وأن تأخذ خطوة استباقية أيضاً منعاً لمزيد من الدمار، بعد أن تعرضت دول كثيرة للهدم بفعل الفوضى.


إن الرسائل المتناقضة الضبابية التي ترسلها الإدارة الأمريكية لا تخدم حل الأزمة سلمياً، وهذا ما يتخوّف منه مراقبون، إذ يخشون أن تتطور الأمور وتتصاعد بشكل دراماتيكي إلى درجة الوصول إلى حائط مسدود، وقد تجد قطر أن هذا الموقف يخدم أجندتها التي بدأت تنفيذها منذ العام 20111، وربما قبل ذلك بكثير، ولكنها لن تكون هذه المرة بعيدة عن النار التي أشعلتها ولم تخمد بعد، فهل تتخذ موقفاً عاقلاً بالتراجع عن سياساتها؟ نأمل ذلك.