فـــؤاد مطـــر 

ينطبق على قيادة أهل الحكم في دولة قطر القول «مَن كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر».. ما أصاب البلد الصغير الذي لم يأخذ أولو الأمر فيه بذلك القول فوضعوا الوطن في أكثر الأزمات خطورة مع أنهم لو كانوا حادبين على الوطن، ومخلصين في أداء الواجب القيادي لكان لبنان الآن وهدْياً بصيغة «اتفاق الطائف» الذي وازن وراعى التركيبة اللبنانية الأكثر تعقيداً بين الكيانات العربية، أكثر ازدهاراً.

فنعمة الله - سبحانه وتعالى - عليه سخية من حيث الطبيعة والماء والخضراء والوجه الحَسن، كما سخاء النعمة التي خص بها «الإمارة الحمدية التميمية» المتخمة غازاً ونفطاً، وتلك ثروة تستقر وتزداد أرقاماً إذا كان ولاة الأمر فيها يحمدون ويشكرون وينأون بأنفسهم عن الغيرة، والتطلع نحو ممارسة دور يغنيهم عن القلق كما يبقيهم في منأى عن تصنيفهم مقلِقين، كما إذا كانوا يتطلعون إلى مكانة أن يأخذوا بما هو الخير للأمتين من خلال مشروعات تنموية ومؤسسات علمية ومستشفيات وتطوير جامعات، وإبداء خير النوايا لمحيطهم، وهذا أمر يوصي به القرآن الكريم «قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ» وينبه إليه الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم «إنما أحدكم مرآة أخيه، فإذا رأى عليه أذى فليُمطه عنه». كما نرى الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - يستحضر في مجالسه الآية التي أوردناها من «سورة القصص» والقول الطيِّب للنبي محمد، ويقول: «أكرم عشيرتك؛ فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلُك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول».
وحتى صُيَّاغ العبارات الفريدة نثراً أو شعراً من أيام السلَف المتفهم البعيد النظر قالوا من الكلام ما من شأن الأخذ بجوهره بدل هذا الذي يقال بالذات عبْر الفضائية – العلة التي عكست بتسميتها «الجزيرة» وبتنسيب أوقاتها (مكة المكرمة) بالذات عند استحداثها انطباعاً بأن وراء هذه التسمية ما وراءها، وأنها بمثابة عود الثقَاب الذي سيشعل أكوام الحطب، أن ينبِّه إلى أمر أساسي أوجزه الشاعر العربي بالقول «ومَن ذا الذي يرجو الأباعد نفعه... إذا هو لم يصلح عليه الأقارب». وزيادة في التوضيح، فإن «ذا الذي» ماضياً هي حاضراً دولة قطر التي إذا كانت تصنف دورها بأنه حلقة في مجد تبنيه ما دامت متخمة بالغاز بعد النفط؛ ومن أجل ذلك هذا التسلح النوعي المباغت بشرائها طائرات إف 15، وهذه اللهفة – التركية - الإيرانية على المأزق الذي وضعت نفسها فيه، فإن أحد حكماء الزمن العربي الغابر أوجز الحالة هذه بعبارة «ليس أتعس ممن يشيِّع جنازة مجده بيده» وزادها إيجازاً قول حكيم آخر «لا يغرد الطائر إلا في سربه». وهذا قول لا يحتاج إلى مجادلة بدليل أن الأمير الوالد الشيخ حمد عندما غرد في المرة السابقة خارج السرب، رأى أن تغريده ليس مستحباً، ولا ينسجم مع انتماء قطر دولة خامسة في المجلس الخليجي السداسي، الذي كان منذ إنشائه بمثابة الخيمة التي تحقق الأمان، إنما وفق قاعدة ما يريده المرء لأخيه السعودي والإماراتي والبحريني القريب، ولأخيه البعيد المصري، والأبعد الليبي والسوري والفلسطيني واللبناني هو ما يريده لنفسه. وبدل أن تكون تجربة التغريد الأول، أمثولة للأمير الابن الشيخ تميم، فإن جوارح من خارج الفضاء العروبي زينت بانقضاضها على الأمير الشاب العوائد المجزية لما هو أكثر من التغريد خارج السرب الخليجي، وبذلك بات الشيخ تميم مسحوراً بتخريجات امتزج فيها الثأر الإسلاموي بالأطماع الغازية، مضافاً إليها الاعتداد بالشأن المالي الملياري. ومن دون أن يحسب الحساب الدقيق وضع الشيخ تميم الدولة في المحطة التي انطلق منها الرئيس بشّار الأسد مقايضا العروبة بعلاقة منقوصة التفهم مع إيران، التي زينت له إمكانية استعادة مجده زعيماً لدولة اتحادية تضم سوريا ولبنان والعراق مستقبلاً. وها هو الرئيس بشّار خسر الشأن في سوريا، ولن يربح المجد الموعود.
لا بدّ من استعادة الوعي ومحاسبة الذات... والتيقن بأن مَن يكون في نعمة ولا يشكر يخرج منها ولا يشعر.