عبداللطيف الضويحي

في الدين عليك أن تتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وفي السياسة عليك أن تتبين الخيط الأسود من الخيط الأبيض. أما في الإعلام فكل مؤسسة إعلامية لها خيطها الأبيض وخيطها الأسود حسب انتمائها السياسي، وقد يصل الأمر أحيانا إلى أن كل نشرة أخبار يتغير الخيط الأبيض والخيط الأسود حسب المواقف والأحداث المستجدة.

السمة التي تصبغ الصراعات والحروب والأزمات في الشرق الأوسط هو تداخل «الفوضى الخلاقة» مع ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد» والتداخل بين ما هو مذهبي مع ما هو طائفي، والتداخل بين ما هو ديني مع ما هو سياسي، وبين ما هو ثأر تاريخي مع ما هو تطلعات مستقبلية، والتداخل بين ما هو عرقي مع ما هو فكري سياسي، والتداخل بين ما هو فوق الأرض من مصادر للطاقة مع ما هو تحت الأرض من مصادر للطاقة، وبين الحدود السياسية الجغرافية مع الحدود الجغرافية التاريخية.

ثمة لون مفقود من الثقافة الفكرية في منطقة الشرق الأوسط، هذا اللون لا ينتمي لعائلة الألوان الممتدة من الأبيض إلى الأسود. فهل اختفى هذا اللون أو تم إخفاؤه في مفترق الخلاف الشيعي السني السياسي؟ وفي خضم حملات التضليل والخلط بين ما هو ديني وما هو سياسي آنذاك؟ ترى من المستفيد من إخفاء ذلك اللون النادر والفريد في ثقافتنا الفكرية؟ خاصة أنه ليس بين اللونين الأسود والأبيض لكنه مختلف عنهما ومن خارج منظومتهما؟

في الشرق الأوسط «ما قبل الجديد»، لا فرق بين عملية الهدم وعملية البناء حتى نتبين ما يريد الحزب الجمهوري الأمريكي والحزب الديموقراطي الأمريكي، وحتى تتبين مكافحة الإرهاب من دعم الإرهاب، وحتى تتبين عملية التحرير من عملية التقسيم، وحتى نتبين الصديق من العدو، وحتى تتبين أحلام الإخوان المسلمين من تطلعات السلفيين، وحتى تتبين دولة خلافة «داعش» من جمهورية «النصرة»، وحتى نتبين حدود الجمهورية العراقية ومساحة الجمهورية السورية، وحتى نتبين طموحات الأكراد في العراق وطموحات الأكراد في سوريا، وحتى نتبين الجغرافيا السورية من الطموحات التركية، بل أن تتبين «الشيعة» من «السنة»، وحتى نتبين مشروع الأكراد في المنطقة من مشروع الأتراك في المنطقة.

في الشرق الأوسط ما قبل الجديد، لا فرق بين عملية الصعود وعملية السقوط، أو بين عملية السلام وعملية الحرب، حتى نتبين قضية اللاجئين من جحيم وفقر أوطانهم من قضية اللاجئين إلى فرص العمل في أوروبا والعالم، وحتى نتبين الفرق بين من يقتلون بنيران الإرهاب والذين يقتلون بنيران من يحاربون الإرهاب، وحتى نتبين الفرق بين الإرهاب والتكفير، وحتى نتبين الفرق بين أهداف واشنطن وأهداف تل أبيب، وحتى نتبين من يريد دول الشرق الأوسط سوقا للمنتجات الغربية والآسيوية مع من يريد منطقتنا دويلات متناحرة همها استهلاك السلاح والذخيرة واختبار ما تجود به مصانع الأسلحة في الغرب والشرق.

في الشرق الأوسط ما قبل الجديد، لا فرق بين الحاضر والمستقبل، حتى نتبين الفرق بين ما تريده حكومة غزة الفلسطينية وما تريده السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لكي تتوحد الدولة الفلسطينية، وحتى نتبين الفرق بين ما تمخض عن مؤتمر مدريد للسلام واتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو حتى نتبين السلام بين العرب وإسرائيل يكون قبل حل الدولتين أو بعد حل الدولتين، وحتى نتبين إذا كانت القدس عاصمة للكيان الصهيوني أو عاصمة للدولة الفلسطينية.

على العالم أن يكون ممتنا للدول العربية، وهي تضحي بالعقول العربية وبالإنسان والثروات والجغرافيا والتاريخ والأحلام والطموحات العربية لصالح العولمة ولصالح الشرق الأوسط الجديد، وعلى العالم أن يكون ممتنا للدروس والنظريات التي يقدمها العرب بالمجان في فنون التدمير والقتل. وللدروس والنظريات التي يقدمها العرب لكل من يريد أن يتعلم الديموقراطية والحريات والحفاظ على المكتسبات الحضارية والاقتصادية.

على العالم والقوى العظمى أن تكون ممتنة للبيئة الخصبة التي تقدمها الدول العربية ليتبين الخيط الأبيض من الأسود في الدين والسياسة والاقتصاد والأخلاق والقيم، وليتبين ما إذا كان عيد الفطر يوم الأحد أو يوم الإثنين.