محمد خلفان الصوافي

 من يتابع الخطاب الإعلامي القطري الذي يغطي الأزمة الحالية ومقاطعة الدول الخليجية لدولة قطر، يستطيع أن يسجل ملاحظتين بارزتين؛ الملاحظة الأولى: أن إعلاميي قطر يشخصون المشكلة بأنها مع إمارة أبوظبي وليس مع دولة الإمارات في إشارة تعبر عن «الأدلجة» التي تعشِّش في أذهانهم، وهي الطريقة نفسها التي استخدمها يوسف القرضاوي عندما منع من دخول الدولة قبل أكثر من عقد ونصف إلا أنه كان يسجل في كل مرة فشلاً كبيراً مع الرأي العام الإماراتي الواعي لألاعيبهم التي تحاول الصيد في الماء العكر.

الملاحظة الثانية: أنه من خلال تحليل مضمون المحتوى الإعلامي القطري المسموع أو المقروء، نجد أن هذا الإعلام لا يكرر كثيراً ذكر اسم المملكة العربية السعودية بالمقارنة مع ذكر دور دولة الإمارات أثناء الحديث عن الأزمة، وهذا يمكن تفسيره، إما أن هذا الإعلام يحاول تقزيم الدور السعودي في الأزمة وعدم لفت الانتباه إلى الزخم السياسي الذي يقوم به وزير خارجيتها، عادل الجبير، في جولاته الأوروبية أو أنه (الإعلام القطري) يريد بقصد أن «يتجاهل» دور دولة كبرى في المنطقة تعتبر هي الآن عاصمة القرار السياسي العربي، وربما هذا الرأي هو الأقرب إلى الصواب، كون قطر دولة تعيش عقدة صغر الحجم وتبذل جهدها بأن تلغي فكرة الثقل الجغرافي والديموغرافي في السياسة الدولية.

من الناحية الموضوعية هذا السلوك الإعلامي الذي تمارسه وسائل الإعلام القطرية ومحللوها في القنوات المتعددة مكشوف عند المراقبين، وهذا يعني محاولة الهروب بالمشكلة إلى الأمام، اعتقاداً منهم أن ذلك سيجعل الآخرين يتناسون السبب الحقيقي للأزمة، وهي تورط الحكومة القطرية في كل ما تم تسريبه حتى الآن سواء في دعم الإرهاب أو ما كانت تخطط له من فوضى في المنطقة، بل إنه عملياً يؤكد صحة ما نشر، وبالتالي فإن الوقوف لنقد الذات -وهي صفة الكبار- ومواجهة المشكلات والعمل على حلها من شأنها زيادة إغراق الحكومة القطرية وتأزيمها أمام المجتمع الدولي، وهو ما يعني في النهاية «الانتحار السياسي» لها، وإن كانت كل المؤشرات تقول بأنها تسير نحو ذلك.

في الواقع أن أحد مسببات هذه الأزمة والأزمات السابقة هو الإعلام القطري ممثلاً في «قناة الجزيرة»، فهي الذراع الإعلامية لأهداف السياسة الخارجية القطرية، حيث لعب الإعلام القطري كل الأدوار المطلوبة خلال المراحل السياسية للدولة القطرية، وبشكل دقيق فالاثنان يروجان للفوضى والتطرف في المنطقة، فإذا كانت الحكومة القطرية تدعم الإرهاب بالمال، فإن القناة ما زالت تعزف على أطلال «الربيع العربي»، وتتباكى على فشل «الإخوان» في الحكم، سواء في مصر وغيرها من الدول العربية، ولهذا فإن قناعة الرأي العام الخليجي أنه من العبث الدخول في نقاش معها في قضية تدور حول تساؤل مؤداه: هل فعلاً تدعم قطر الإرهاب أم لا؟!

تحليل سياسة الإعلام القطري سواء في البرامج التي يبثها أو ما كشفته المعلومات تدين الحكومة، لذا عليها أن تختار ما بين تنفيذ مطالب الدول الخليجية أو الإعلان عن الافتراق مع شقيقاتها.

الشيء المؤسف جداً أن الإعلام القطري لم يخدم يوماً القضايا الوطنية الخليجية والعربية، بل عمل على تقديم أجندات سياسية لـ«جماعة الإخوان» وعملت، بجهد، على تفتيت اللُّحمة الوطنية في الدول العربية خدمةً لمشاريع دول أخرى، بل لا يذكر التاريخ أن هذا الإعلام نجح في علاج مشكلة سياسية عربية لأن هدفه الأساسي هو خلق المشاكل، وهناك اعترافات كثيرة ممن عملوا في قناة «الجزيرة» حول أساليب وطرق شق الصف الوطني والعربي، والشيء الذي يُسجل له هو الانتصار ضد أبناء المنطقة وقضاياه الكبرى لحساب إما تركيا أو إيران أو إسرائيل، وهي الجهات التي لديها مشروعات سياسية في المنطقة، كما يُحسب على هذا الإعلام في الوقت الحالي تأكيده للرأي العام العربي بأن هذا الإعلام يخدم أجندة إرهابية من خلال اللغة التي يحاول فيها إثارة النعرات السياسية بين دول الخليج، أو تقسيم خطابه السياسي الموجه للسعودية والإمارات.

وهذا الدور الذي يلعبه الإعلام القطري أكثر خطورة على الحكومة القطرية، من خلال الإيهام بالانتصارات الإعلامية بعد الخوف من أن تكون الحكومة القطرية لم يعد لديها القدرة على تغليب المصلحة الخليجية أو الوطنية، فمع كل مرة تدخل قطر نفقاً سياسياً لا تخرج منه، والمشكلة أنها تدرك أبعاد لعبة السياسة الدولية التي تقوم على المصالح، وأن الدعم السياسي اليوم قد ينقلب إلى تهمة قانونية عليها، طالما وجدت الأدلة والبراهين، فموضوع الإرهاب والتطرف عابر للحدود، والشيء الذي تحتاجه قطر هو بعد نظر ورؤية سياسية تعطي انطباعاً بأن مصلحة قطر ضمن إطارها الجغرافي.

طريقة التناول الإعلامي القطري توضح بأن الدوحة تعاني قصوراً في «نظرها السياسي»، وإذا كانت التسريبات قد كشفت مؤامراتها ضد دول المنطقة، فإن الفشل السياسي لأي نظام يكمن في تجاهله تأثير الجغرافيا والحجم (الديموغرافي والسياسي)، أو يحاول أن يقزم من دورهما، وهذا ما لم تفهمه القيادة القطرية حتى الآن.