أميمة الخميس

الرحالة الفارسي ناصر خسرو, الذي زار جزيرة العرب في القرن الخامس الهجري لم ينقل صورة وضيئة عن المكان وسكانه, في كتابه المعنون (سفر نامة في جزيرة العرب).

ولكن هذا لم يطفئ الأطماع التاريخية الأزلية بها, فهي قلب العالم القديم, كانت تضج بمدن نبتت على درب البخور والعطور, وظل شرق جزيرة العرب عبر التاريخ مضمارا ما بين كر وفر لكتائب الجيوش, تقطع الحدود جيئة وذهابا سواء كغزوات خاطفة من القبائل العربية, أو جيوش فارسية مسكونة بأطماع الإمبراطوريات.

حيث اكتشفت عدد من البعثات التنقيبية بقايا معابد زرادشتية تشير إلى استيطان فارسي قديم لجزيرة العرب, ولكن هذا ليس كل الحكاية فقد انتقل سوارا كسرى من المدائن إلى يدي الفاروق رضي الله عنه, وعلى هامش هذا المشهد باتت مدونة التاريخ مكتنزة بالأخبار حول الشعوبية والعنصرية العرقية التي لم يبت في أمرها بعد منذ ذلك الوقت إلى الآن, فهناك شارع في إيران اسمه طريق (أبي لؤلؤة المجوسي) الفارسي الذي قتل عمر الفاروق, وعنفوان فارسي لم يلتئم انكساره, مرارة الهزيمة باقية في الوجدان الشعبي تنكمش ولا تلبث أن تفز وتظهر إذا توفرت لها البيئة المستحثة.

وفي عصرنا الحاضر إن كان شاه إيران عاش زمن تأجج القوميات في العالم, الأمر الذي أيقظ في أعماقه أحلام القومية الفارسية, وإحساسا عارما بالزهو يضمره عادة جميع أبناء الإمبراطوريات القديمة, فأعاد بناء إيوان الأكاسرة, وهزجت فارس جميعها بأساطيرهم.

ولكن أصحاب العمائم لم يمهلوا الشاه طويلا ليكمل حلمه الفارسي, بل اختطفوا منه أحلام كسرى وألبسوها عمامة وعباءة, وبقيت تلك الأحلام تحمل نزعتها العنصرية, أحلامها التوسعية, وأصبح نظام الملالي يقدم للواجهة مؤسسات دستورية خاوية, بينما زمام الأمور يقبع تحت لحية الولي الفقيه / كسرى.

الرحالة القديم ناصر خسرو/ 432 للهجرة, لم يجد في درب العطور عطورا, لكن سلالته وجدت في تلك المدن التي نبتت على شواطئ الخليج كعقد من اللآلئ تومض في الليل الفارسي الطويل, مدنا ذهبية فارهة, ترقد على بحيرات من الثروات والكنوز, تعبد شوارعها بالحرير وتنسكب من نوافذها العطور, وترفرف في جنباتها الفرص والأحلام.

وقبع القط الفارسي متربصا على الضفة الأخرى, حينا يلوح بولاية الفقيه, وحينا أخرى بمظلوميات فلسطين, ولكنه ظل في جميع الأحوال, لا يتخلى عن أحلام الأكاسرة القديمة في جزيرة العرب.