خليل علي حيدر

تتولى النساء قيادة جيوش كبرى في أوروبا اليوم كالجيش الألماني مضرب المثل في الدقة والانضباط لدى الكثيرين، بل تولت المرأة وزارات الدفاع في أربع عشرة دولة غربية، وست دول أفريقية وأربع في أمريكا اللاتينية واثنتين في آسيا.
وتولت المرأة في العالم العربي وزارات ومناصب كثيرة ليس من بينها وزارة الدفاع، إذ لا وجود لأي امرأة عربية في القائمة العسكرية، ربما لكثرة الانقلابات في بعض بلداننا، وهي عادة «مغامرة ذكورية»! وربما لأننا لا نزال نفكر بعقلية مختلفة في معاني الإدارة ومدلول القيادة ومستلزمات الجندية، وربما لأن كتبنا المدرسية وثقافتنا العامة لا ترى للمرأة دورًا إلا في رعاية المرضى أو تضميد الجرحى، وأن تكون في آخر الجيش لا مقدمته!
وعندما نطالع كتب التاريخ نفاجأ بأن المرأة في الجزيرة العربية وبلاد الرافدين ومصر القديمة كانت تحتل مكانة مرموقة. وتؤكد هذه الكتب مثلا:ً «أن النساء في مصر كن في ذلك العصر يملكن أكثر الأراضي التي كانت تورث غالبا بطريق النسب النسوي، فكانت النساء من جراء ذلك مسؤولات شرعيا عن إعانة الأبوين. وقد ظل الناس يذكرون الملكة حتشبسوت العظيمة زمنًا طويلاً، ويلوح أنها كانت من حكام العالم المستنيرين حقًا»، ويضيف كتاب «تاريخ العالم» لجون هامرتن «أن النساء في العراق كن يتبوأن مكانة تكاد لا تقل عن مكانة الرجل، وأنهن كن يستطعن أن يملكن، سواء أكن متزوجات أم لم يكن. وكان الرجال والنساء يشتغل كل منهما بالتجارة، ويتقلد وظائف المأمورين ويتولى مناصب الحكم والقضاء، وكانت الكاهنات يتمتعن في المجتمع بالثروة والاحترام العظيم».
وفي دراسة قيمة نشرتها دورية «السياسة الدولية» في أكتوبر 2016 عن مركز «الأهرام» بعنوان «المرأة والقيادة السياسية في العالم»، تحلل الباحثة د. رجاء سليم هذا المنحى الريادي للمرأة على الصعيد الدولي في مختلف الدول والقارات، الآخذ في البروز اليوم. فقد وصلت امرأة إلى السباق الرئاسي في الولايات المتحدة للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة، وفي مصر تم ترشيح السفيرة «مشيرة خطاب» لمنصب المدير العام لمنظمة اليونسكو، وهي المرة الأولى، تقول الباحثة التي يتم فيها ترشيح امرأة!
وقد بلغ عدد السيدات اللائي تولين مناصب رئاسية في النصف الثاني من القرن العشرين تسع سيدات في منصب رئيس الجمهورية، وسبع في منصب رئيس الحكومة.. ومن اللافت أن قارة آسيا احتلت المرتبة الأولى، ومنهن أنديرا غاندي وباندرنيكا وبينظير بوتو وشيخة حسينة وغيرهن، ومن المثير للاهتمام أن ظاهرة تولي السلطة على خلفية الانتماء إلى عائلة سياسية، نراها في آسيا وأمريكا اللاتينية بينما لم تظهر في أفريقيا أو الدول الغربية.
وزحفت المرأة إلى وزارات الخارجية فوجدنا في عدة دول أوروبية، ثلاث عشرة دولة، امرأة في هذه المناصب، وثماني نساء في الدول الأفريقية، وستا في أمريكا اللاتينية، وخمسا في آسيا.
وكذلك شغلت السيدات مناصب في منظمات دولية وإقليمية كالبريطانية «كاترين آشتون» ممثل المفوضية الأوروبية والفرنسية «كريستين لاجارد» مدير الصندوق الدولي والأفريقية «نوكو سازانا دلاميني زوما»، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي والإيطالية «فيديريكا موغيريني» الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي، وتلاحظ د. رجاء سليم نجاح السيدات في إدارة هذه المؤسسات وأن بعضهن قضين في المنصب ثلاث دورات.
ومن ملاحظاتها «عدم وصول المرأة في الدول الكبرى إلى منصب رئيس الجمهورية». وربما الأكثر إثارة للانتباه ما حدث في الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية التي جعلت من تحرير المرأة قضيتها البارزة، فلم تترشح أي امرأة لرئاسة الاتحاد السوفييتي السابق أو حتى روسيا أو جمهورية يوغوسلافيا «في حين أنه عندما انفصلت الدول المكونة لهذين الاتحادين في العقد الأخير من القرن العشرين، تم اختيار ثلاث رئيسات جمهورية في ثلاث دول، كانت أعضاء في الاتحاد السوفييتي، واثنتين في دولتين كانتا تابعتين ليوغوسلافيا»، وهذه ملاحظة مدهشة على التجارب الاشتراكية ما بين 1945- 1990.
هل سيأتي يوم تتولى فيه سيدة لبنانية مثلا وزارة الدفاع في بلادها؟ وزيرة الدفاع الإيطالية زارت مؤخرًا لبنان، وقد أكدت الوزيرة روبرتا بينوتي مواصلة بلدها العمل من أجل تعزيز العلاقات بين لبنان وإيطاليا. كما تفقدت كتيبة بلادها العاملة في إطار الـ «يونيفيل» في قضاء صور، يرافقها وفد رفيع من الوزارة وقائد القوات المسلحة الإيطالية وسفير إيطاليا.
نتمنى ذلك للبنان.. وبقية العالم العربي!