عبدالعزيز السويد

هناك شبه اتفاق الآن على أن ثورات الربيع العربي مصطنعة من حيث القوة المحركة، وأنها استغلت أرضية مناسبة في العالم العربي المتصدع وقامت بتخصيبها على مدى سنوات، ثم عملت بجهد لاندلاع شراراتها لتنجح في تونس بتغيير الحكم وسقوط بن علي. ثم توالت أحجار الشطرنج بين خراب وحروب أهلية، استغلت حاجات وطموحات شعوب عربية كان بعضها كامناً وبعض يطفو على السطح، وهي تطلعات حتى بالنسبة إلى الأنظمة في الدول العربية حاضرة ظاهرة معروفة لأي مراقب ومتابع. ويمكن القول إن الربيع العربي حتى لو احتوى في ظاهره وشعاراته على عناوين جاذبة للشعوب، ليس إلا حلقة من الفوضى الخلاقة، التي تم تدبيرها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وبدأ العمل عليها بتدمير الدولة العراقية تحت شعارات إزاحة ديكتاتور وتقديم نموذج الديموقراطية والحرية و «حقوق» الإنسان في المنطقة العربية نشاهد «نصاعته» الدموية على مدى السنوات الماضية في العراق.

فمن هذا الباب الواسع، أي واقع مر وطموحات وتطلعات، جاءت طعوم الاستدراج، ولم تكن الشعوب وحدها المستدرجة، أيضاً الأنظمة استدرجت في المنطقة، حيث فتحت مشاهد الفوضى والقلاقل في عدد من الدول العربية فرصاً ذهبية لتحقيق طموحات أنظمة إقليمية، فكان أن شاهدنا تنظيرات تركية عن العثمانية، وسعاراً دموياً إيرانياً للتمدد في الأراضي العربية تحت عباءة الطائفية.

إن السؤال الذي لم يطرح ولم يبحث في شكل عميق: ماذا حققت ثورات الربيع العربي من تغيير وتأثير في عقلية المجتمعات العربية؟ في واقع الأمر إن التغيير الذي حدث كبير، وخصوصاً في تسييس المجتمعات العربية، فإذا أخذنا في الاعتبار أن الجيل الشاب في هذه المجتمعات هو المكون الرئيس، يمكن استشراف الأخطار المستقبلية، من هنا فإن مواجهة هذه الأخطار واجب وضرورة، فعلى الأنظمة العربية القراءة المتأنية المستبصرة لحاجات الشعوب، والتعامل معها بحكمة واقتدار لتحقيق طموحاتها، فهذا هو ما يحصن الجبهات الداخلية ويزيد من قوتها في العالم العربي، وهو أيضاً ما يجتث أسباب الاستغلال الخارجي لواقع الشعوب والأنظمة من جذورها.