السيد أمين شلبي

متابعو أداء السياسة الخارجية الأميركية منذ تولي دونالد ترامب السلطة، يلاحظون أنها تتسم بالتضارب، بين الرئيس ووزارتي الخارجية والدفاع. إذ أصبح من تقاليد ترامب اليومية أن يصدر تغريدات يتعرض فيها الى علاقات أميركا الدولية. حدث هذا في قضايا ترتبط بروسيا، والناتو، والاتحاد الأوروبي، وبأزمة أربع دول عربية مع قطر.

فى أول رد فعل لترامب في اليوم الأول لتلك الأزمة، بعد عودته من قمة الرياض، قال إن الزعماء العرب الذين التقاهم، أشاروا إلى قطر ودعمها الإرهاب. بل ذهب بعد الموقف العربي من قطر، إلى أنه لم يكن يتصور أن مكافحة الإرهاب ستتم بهذه السرعة.

غير أنه في اليوم التالي قال الجنرال ماتيس وزير الدفاع إن قاعدة العديد تعمل في شكل طبيعي وإن قطر تشارك في مكافحة الإرهاب، وأعقب هذا مباشرة توقيعه مع نظيره القطري صفقة أسلحة بقيمة 12 بليون دولار. واتصالاً بنهج وزير الدفاع، زار وزير الخارجية ريكس تيلرسون قطر، وأدهشَ المراقبين بقوله إن اقتراحات الدوحة «منطقية»، وأتبع ذلك بما يسمى «مذكرة تفاهم» بين البلدين حول مكافحة الإرهاب.

وغلبت الحكمة على بيان الدول العربية الأربع بخصوص هذا التطور، لكنه تضمَّن مؤشرات عما سيقوله وزراء خارجية الدول ذاتها لوزير الخارجية الأميركي خلال اجتماعهم معه في جدة، ومضمونه أنهم لا يملكون إلا النظر إلى «مذكرة التفاهم» هذه في ضوء خبرات سابقة، إذ سبق لأميرها أن وقَّع في 2013 على وثيقة تتضمن التزامات عملية تجاه وقف دعم الإرهاب بمختلف الطرق والأدوات، كما وقَّع وزير الخارجية القطري وثيقة تكميلية في 2014، غير أن السلوك القطري ظلَّ كما هو. وهذا هو جوهر الأزمة مع قطر والذي يجعل الدول الأربع متمسكة بمطالبها الثلاثة عشر، وقد تنظر في مزيد من الإجراءات.

وعموماً، قد تقتضي المجاملات الديبلوماسية شكر الجهود الأميركية لحل الأزمة الخليجية، لكن الخبرة العربية على مدى السنوات القريبة تقول إن تدخل القوى الأجنبية في الأزمات العربية زادها تعقيداً ومكَّن هذه القوى من ترسيخ وجودها في المنطقة، ما أدى إلى تعميق الأزمات.

هذه الخبرة كانت تفرض أن تحل الأزمة مع قطر تحت مظلة عربية، لكن للأسف استقوت الدوحة بقوى إقليمية يعلم الجميع أهدافها الحقيقية مِن وراء التعامل مع الأزمات العربية. إن أدق تعبير في شأن التدخل الإقليمي والدولي في الأزمة الأخيرة، هو قول وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد أن لجوء قطر إلى تركيا وإيران هو بمثابة «إثم»، وقول وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أن الحل لن يتحقق في نيويورك أو لندن وإنما في الرياض. 

هو يريد أن يقول إن الحل الحقيقي الذي يخدم الأمن والاستقرار في المنطقة، يجب أن يتحقق في إطار مظلة عربية، وهذا حق، ولكن بشرط أن لا تفسد القوى الإقليمية والدولية الجهود العربية بتقديمها الدعم المادي والبيانات التي تظهر أنها متفهمة للموقف القطري، وهو ما شجع الدوحة على تحديها المطالب العربية أو الالتفاف عليها.


* كاتب مصري