علي سعد الموسى

بعيد القرارات الملكية مساء ما قبل البارحة، بدا لي واضحا أن القيادة العليا، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين، قد وضعت يدها على بداية الخيط لتغيير جذري وتاريخي في شكل وتركيبة الحكومة. والحكومة التي أقصدها هي تركيبة هيكل الوزارات والهيئات الأعلى وكل مراكز إدارة القرار الأول وصناعته في حياتنا التنموية. وفي جسد اقتصاد ضخم عملاق يتربع زاهيا في قلب مجموعة العشرين، مثل الاقتصاد السعودي، يصعب القبول بوجود ثلاثين وزارة تتنازع الكثير منها الصلاحيات المتشابكة مما يؤدي إلى مزيد من عقد المركزية. هذا الشكل من تركيب الوزارات وهيكل الحكومة لم يتغير لدينا منذ ثلاثين سنة وأكثر. في اقتصاد عملاق مثل السعودي، ورأسمالي حر، تحتاج الإدارة إلى حكومة أصغر حجما وأكثر فاعلية. كثير من الوزارات التي نعتقد بضرورة وجودها يمكن تحويلها إلى هيئات أو رئاسات تقترب في إدارتها إلى إدارة الأعمال أكثر من قربها إلى الإدارة العامة، وهناك فارق واضح في نظرية الإدارتين. هنا سأعطي بعض الأمثلة: بقاء التعليم العالي تحت مظلة وزارة التعليم ينتج لنا جسدا عملاقا لن يستطيع معه الوزير إدارته مهما أعطي من الجهد والوقت. يفترض أن تستقل كل جامعة بإدارة شؤونها، خصوصا أن لدى كل جامعة ميزانيتها المستقلة ولها مديرها الذي يحمل لقب المعالي وثقة صاحب القرار الأعلى الذي اختاره ووضعه في المنصب. في المثال الثاني فإن إلحاق ما كان «الشؤون الاجتماعية» بوزارة العمل قد يؤدي إلى نسيان شريحة كبرى هي الأكثر اهتماما ومسؤولية لدى الوزير المشغول حتى أذنيه بتفاصيل «العمل» على حساب التنمية الاجتماعية، وهذا في تقديري ما يحصل بالضبط. هل نحتاج ربط الماء والكهرباء والنقل والزراعة وغيرها من القطاعات الخدمية بوزارات تحمل مسمياتها المختلفة، بينما نحن نؤمن ووفقا للرؤية الوطنية الطموحة أنها ستكون أكثر فاعلية عند تحويلها إلى هيئات مستقلة؟ 
سأضرب في النهاية هذا الأنموذج للتوضيح: تعمل الحكومتان الأميركية والبريطانية فيما يختص بشكل الوزارات على مستويين: وزراء ووزارات تحمل مسمى «Department» وهي الحكومة الأعلى المصغرة لبضع وزارات سيادية، بينما تقع البقية كلها تحت مسمى «ministry»، وهي أغلبية الوزارات ذات الطبيعة المباشرة للشؤون الخدماتية في حياة المواطن. أختم، كلما كانت الحكومة في الهيكل والتركيب أصغر حجما كانت أكثر سرعة وفاعلية.