سلمان الدوسري 

اختلافات سياسية لا تفسد للود قضية... هكذا بكل بساطة اختزل أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، في خطابه الذي ألقاه أول من أمس، أزمة بلاده مع جيرانها، ولا أظن أحداً انتظر مفاجأة في خطابه، فقد أتى ملخصاً للدبلوماسية القطرية طوال ما يقارب شهرين من الأزمة والمعتمدة على مساعي تدويلها والاستنجاد بالغرب، والمظلومية والشعبوية، والحديث في كل شيء وعن أي شيء إلا في أساس المشكلة. من يتخيل أن خطاب قمة هرم الدولة القطرية من بدايته إلى نهايته لم يتطرق لأساس الخلاف ولا بحرف واحد، بل ابتعد ملايين الأميال عنه، وأعني اتفاق الرياض التكميلي الذي وقعه الشيخ تميم بنفسه عام 2014. فهذا هو أساس الأزمة وبلاؤها، وهو ما أوصل المنطقة إلى هذه الحال وأوصل قطر للعزلة. باختصار هناك اتفاقية وقعتها الدوحة عبر أميرها ولم تنفذ، والسعودية والإمارات ومصر والبحرين تطالب الشقيقة قطر بالالتزام بها، أما تركيز الخطاب على العيب والوشاية وتعليم الصغار مع عدم التطرق لسبب الأزمة الرئيسي، فهذه رسالة أخرى من قيادة قطر أنها اختارت طريقها بالبقاء بعيدة معزولة، وفي تقديري أن الخطاب تعمد إغفال التطرق لأصل الخلاف لسبب بسيط جداً، فلا الدوحة تستطيع التنصل من توقيع أميرها، ولا تستطيع الزعم أنها نفذته والتزمت به.
حرص خطاب أمير قطر على توجيه رسالتين مهمتين للقيادة القطرية؛ الأولى داخلية للشعب تستنهض الحماس وألا يكون ذلك مؤقتاً، عندما أكد الشيخ تميم «استمرار الروح التي أظهرها القطريون حتى لا تكون روح حماس عابرة»، في حين الرسالة الخارجية قالت بكل وضوح للغرب إن الدوحة على استعداد لحل كل مشكلاتهم معها، وإنها على استعداد لتبديد كل مخاوفهم فيما يتعلق بإيقاف تمويل ودعم الإرهاب، وللأمانة والإنصاف، وبعيداً عن البروباغندا الإعلامية والسياسية القطرية، بدأت الدوحة مشوارها، وإن كان لا يزال طويلاً، منذ بدء المقاطعة في هذا الجانب، سواء باتفاق تمويل الإرهاب الذي وقعته مع الولايات المتحدة، أو بموافقتها على إرسال مسؤولين من وزارة العدل الأميركية إلى النيابة العامة في قطر لتوجيه الاتهام إلى أفراد متهمين بتمويل إرهابيين، وهذا سيقيد تحركات الدوحة السابقة في مساندة الجماعات والأفراد ذوي العلاقة بالإرهاب، حيث قال مسؤول أميركي وفقاً لـ«رويترز»: «منذ حدوث الأزمة حدثت اعتقالات وزادت المراقبة. اتخذوا (القطريون) خطوات مهمة»، مما يؤكد أن ضغط الدول المقاطعة بدأ يثمر في استجابة الدوحة، وحتى لو سعت الدوحة لحفظ ماء وجهها بتصوير هذه الخطوات أنها تعد تنازلاً، فإن الأهم تنفيذ المطلوب منها بينما لا يهم الطريقة التي تريد بها تسويق تنازلاتها، فالدول الأربع اتخذت إجراءات دبلوماسية واقتصادية بهدف إجبار قطر على تغيير أنشطتها وسياساتها الداعمة للتطرف والإرهاب، وكان يمكن للدوحة أن تقر مبدئياً بأنها ملتزمة بالاتفاق الذي أبرمته في الرياض غير أنها ارتأت أن تبحث عن الحل الأصعب عن طريق البوابة الأميركية، وهو ما يعني أن الأزمة ستأخذ وقتاً أطول من المعتاد بحثاً عن مخرج شكلي يناسب السياسة الدعائية التي تنتهجها الدوحة.
طالما أن الشيخ تميم في خطابه لم يشخص المشكلة بواقعية، وطالما أنه تحدث في كل شيء إلا في لب الأزمة وأساسها، وطالما أنه أيضاً اختار الحل عن طريق البوابة الغربية لا عن طريق الوساطة الكويتية، وهو عكس ما قاله، فإن قطر مستمرة في نسج خيوط عزلتها بكفيها وإطالة أمد الأزمة ومقاطعتها، لكن ما الحيلة إذا كان اختيارك أبعد الطرق وترك أقربها للوصول إلى الغاية نفسها تعتبره إنجازاً وانتصاراً عظيماً؟