مأمون كيوان 

التصريح المشفوع بالقسم الكاذب الذي قدمه نتانياهو لمراقب الدولة، يكفي لإخراج الجمهور الإسرائيلي -على اختلاف اتجاهاته السياسية- للمطالبة بفم واحد: يا نتانياهو، يجب عليك الاستقالة

مضى على دخول بنيامين نتنياهو المشهد السياسي الإسرائيلي نحو 33 عاما، إذ إنه شغل عام 1984 منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في الولايات المتحدة، ثم منصب مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة، وكان له دور بارز في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وعينه أرئيل شارون في منصب وزير الخارجية عام 2002، ووزيرا للمالية في حكومته الائتلافية خلال الفترة من 2003 –2005، ثم أصبح خلال توليه رئاسة الوزراء للمرة الأولى عام 1996، أصغرَ رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، فقد كان يبلغ من العمر 46 عاما.
ومن بين 13 شخصية سياسية إسرائيلية تعاقبت على منصب رئاسة الحكومة خلال الفترة من 1948-2017، يُعد نتنياهو ثاني مُعمّر في هذا المنصب، بعد دافيد بن جوريون الذي حكم لـ12 عاما على فترتين: 1948 - 1954 و1955 - 1963، بينما شكّل نتنياهو 4 حكومات خلال الفترتين: 1996 – 1999 ومن «2009 - الآن».
ويذكر أنه -وخلال ولاية نتنياهو رئيسا للحكومة الإسرائيلية للمرة الأولى- انتشرت إشاعة ما تزال تتردد حتى الآن، تفيد أنه لم يُولد في إسرائيل عام 1949، بل في مدينة نوري الواقعة على الضفة الشمالية من النيل شمال السودان، وترعرع في منطقة مروي. 
في المقابل، هناك ادعاءات أخرى تشير إلى أنه وُلِد في وادي حلفا، وهو يتقن اللغة النوبية. وفي ادعاء آخر ورد أن نتنياهو وُلِد في قرية «حالوف» الواقعة في منطقة نوبا أو أنه من أبناء قبيلة الشايقية السودانية. كذلك، تشير الإشاعات إلى أنه كان اسمه عطاالله عبدالرحمن شاؤول، وليس بنيامين نتنياهو.
وقام نتنياهو بتأليف عدة كتب بما فيها: «الإرهاب؛ كيف يحقّق الغرب الانتصار» (1986)، «الإرهاب العالمي: التحدي والرد» (1991). وفي الآونة الأخيرة ألّف نتنياهو كتابي «مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم» (1993) و«مكافحة الإرهاب: كيف تستطيع الدول الديمقراطية إلحاق الهزيمة بالإرهاب المحلي والعالمي (1995). 
وكان من أهم خطاباته، خصوصا خطابيّ بار إيلان 1 و2، وخطابه أمام مؤتمر «معهد دراسات الأمن القومي، في جامعة تل أبيب يوم 29/‏ 6/‏ 2014، والذي كان محوره «خيارات إسرائيل بعد وصول الحل الدائم إلى طريق مسدود».
وقد قدم نتنياهو طبيعة ومرتكزات فكره السياسي، وعمل على تسويقها كعقيدة وأيديولوجيا ومبادئ في كتابه «مكان بين الأمم: إسرائيل والعالم»، الذي حملت ترجمته إلى العربية اسم «مكان تحت الشمس». 
وفي مقدمة الطبعة العبريّة للكتاب، أعاد نتنياهو اجترار مقولة «إسرائيل التي لا تقهر»، والوجود التاريخي للشعب الفلسطيني، وطالب المؤرخين بتسمية زعماء ورؤساء الدولة الفلسطينية على مدار الفترات التاريخية الماضية!، وحاول تهميش القضية الفلسطينية من خلال زعمه أن «الصراع العربي الإسرائيلي ليس هو السبب في عدم استقرار المنطقة، وإنما هناك صراعات إقليمية أخرى هي السبب الكامن في تفجير الوضع الكامن في المنطقة. مثل الصراعات العربية -العربية، والصراعات الأخرى التي حدثت في الشرق الأوسط». 
وزعم أن القضية الفلسطينية، «ليست حق تقرير المصير لشعب في العيش في وطنه في أمن وسلام، بل انبثقت من صراعات طائفية بين العرب أنفسهم، ومن حروب عدائية ضد اليهود».
وقد كشف البروفيسور يحيعام فايتس المحاضر في قسم التاريخ في جامعة حيفا، السبب الرئيس لتمسك وبقاء نتنياهو في السلطة، بقوله: «هناك بنيامين نتنياهو واحد ووحيد»، وهدف واحد لا يتغير يقف وراء مجمل أدائه كرئيس للحكومة الإسرائيلية وهو البقاء في السلطة. ونتنياهو أول رئيس حكومة في تاريخ إسرائيل يَعُدّ البقاء في السلطة هدفا أساسيا، وليس لديه أي هدف آخر يتخطى البقاء في كرسيّ الحكم». 
ومؤخرا تحوم شكوك تتعلق بهذا الهدف والمصير السياسي لنتنياهو، إذ تدور في إسرائيل سجالات وتعليقات متناقضة مثل: «نتنياهو سيئ لليهود»؛ «نهاية عصر بيبي»؛ «نتنياهو لن يسقط بسبب الاحتلال» و«ما هو معروف حول قضايا الفساد يكفي لمطالبة رئيس الحكومة بالاستقالة على الفور». 
وفي هذا السياق، يُعتقد أنه «إذا نجح نتنياهو في الخروج من كل القضايا التي يحقق فيها هذه الأيام في الشرطة، فإنه بالفعل ساحر. من جهة أخرى، من المهم أن نتذكر أنه لا يوجد سحرة؛ يوجد ذارّون للرماد في العيون، وفي هذه المرحلة أو تلك، تتضح الخدعة. وخدعة بيبي آخذة في الاتضاح. (...) والمشاكل على الأرض لم تحل، بل تتفاقم فقط. والمشكلة الأساس على الأرض ليست التهديد الأمني. بل إن تجاهله المسائل المقلقة مثل ما هو ديمقراطي وما هو ليس ديمقراطيا، وما هو المسموح وما هو الممنوع وجد تعبيره في كل المجالات. فمن أجل الأجندة التي يعمل عليها بكفاءة عظمى». 
وعلى سبيل المثال، وفي قضية صفقة الغواصات الألمانية، لا يعتقد نتنياهو أن تقديم لائحة الاتهام تتطلب استقالة رئيس الحكومة. بل عليه الاستمرار رئيسا للحكومة، لأنه رئيس حكومة. لكن مظاهرات أمسيات السبت تزداد طاقة وجرأة أمام منزل المستشار القانوني للحكومة أفيحاي مندلبليت، تطلب منه تسريع التحقيق ضد نتنياهو. 
ويُعتقد أن التصريح المشفوع بالقسم الكاذب الذي قدمه نتنياهو لمراقب الدولة، يكفي
لإخراج الجمهور الإسرائيلي -على اختلاف اتجاهاته السياسية- إلى المطالبة بفم واحد: يا نتنياهو، يجب عليك الاستقالة.
وعموما، يبدو جليا أن وسائل الإعلام والجهاز القضائي في إسرائيل تعاملا في السنوات الخمسين الماضية بتسامح كبير مع رؤساء الحكومات الذين أخطؤوا وفسدوا وأفسدوا، وبالتالي تبدو نذر سقوط أو تنحي أو تنحية نتنياهو في منزلة السراب السياسي.